طالبان تقاتل من أجل بلادها... جملة نطق بها الرئيس الأمريكي ترامب مادحاً حركة طالبان بعد أن انتهت عملية التفاوض بين الجانبين باتفاق يقضي بانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان. الجملة التي أدلى بها الرئيس الأمريكي ليست مجرد كلمات وحروف اقتضتها أصول العلاقات الدبلوماسية وليست مجرد مديح منافق, الهدف منه كسب ود الخصم.. ولكنها عبارة تلخص قضية الصراع الأزلي بين الحق والباطل.. بين كبرياء القوة... وعزة المقاومة... بين سطوة الجلاد وسمو الضحية.
إنها الحقيقة التاريخية الثابتة التي تحكي قصة خضوع الظلم رغم جبروته لبريق الحق رغم ضعفه، لم تكن هي القصة الأخيرة وليست الأولى، فقد سبقها قصص كثيرة وستتلوها قصص أخرى، قد تختلف تفاصيلها وقد يتغير أبطالها ولكن تبقى نهايتها واحدة تماماً.. كما دارت أحداثها في الهند حينما انتصرت إرادة الشعب الهندي بقيادة المهاتما غاندي على الصلف الانجليزي الذي لم يكن يرى في الهنود إلا أعداداً هائلة من العبيد تسخَّر لخدمة الإمبراطورية البريطانية العظمى وكما رويت في فيتنام بقيادة هوشي منه حينما انتصرت ارادة الشعب الفيتنامي على طغيان القوة الأمريكية بكل عظمتها، وكذلك حيث كانت رواية الجزائر ثورة المليون شهيد حينما انتصرت دماء الشهداء على غطرسة القوات الفرنسية التي جعلت الجزائر فناءً خلفيا يمكن استغلاله لرقي وتطور الدولة الفرنسية.
هذه نماذج من وقائع في العصر الحديث سبقها وقائع كثيرة في سالف الأزمان وستأتي بعدها وقائع أخرى لتؤكد أن دورة التاريخ معلومة ولكن لا يدركها إلا الصادقون ممن حملوا هم شعوبهم ولم تنل منهم كل صولات الزيف والخداع والإرهاب.. فكانت دائمة النتيجة التي تتجلى حقيقة واقعة لتعلن انتصار الحق وأفول شمس الباطل بعدما ظن الباغي انه قد دانت له الدنيا وخضعت له الرقاب، ورغم هذه الحقيقة التاريخية التي ما زالت تتكرر كأنها تعاقب الليل والنهار، يأبى أصحاب النفوس المهزومة ان يصدقوها وكأنهم يكذبون ضوء النهار الذي يغشي الأبصار بل ويحاربون فكرة مقاومة الظالم ظناً منهم أنهم يمارسون الواقعية السياسية والتسليم لموازين القوى وما علموا أنهم استمرؤوا الذل من حيث لا يعلمون أو يعلمون, فأصبح العيش في كنف الظالم كياسة, ونفاقه سياسة, وخيانة الشعب والتاريخ براغماتية، ولكن سرعان ما ينكشف هذا الزيف كله وتتجلى الحقيقة الأزلية كقاع صفصف لا ترى فيها عوجاً ولا أمتا لتأتي المكالمة الهاتفية التي قطعت أقاويل حراس معاقل السياسة لتفتت معاقلهم الواهنة وتجعل منها هشيماً تذروه رياح الشعوب الثائرة .
من كان يظن أن الرئيس الأمريكي الذي فتن العالم بعنجهيته وصلفه وكبريائه يحادث زعيم حركة طالبان التي قال فيها يوماً سلفه بوش الابن إن الحرب التي يخوضها ضد أفغانستان هي حرب صليبية ضد الإرهاب.
إنها مقولة أسلافنا "على الباغي تدور الدوائر"