فلسطين أون لاين

طرق الـ77 عامًا وما زال الحنين يشده إليها

اللاجئ يوسف بركات يشتم رائحة "يبنا" من "مفتاح العودة"

...
اللاجئ يوسف بركات (يسار)
غزة- يحيى اليعقوبي

حطت قدماه أمام منزله، بعد أن ساقه الشوق إليه، حينما قطع مسافات طويلة عائدًا من عمله، وطرق الباب ليفتح له مستوطن إسرائيلي بملامح غربية أوروبية، لوهلة صمت أمام المشهد تتزاحم بداخله أسئلة عديدة لا إجابات لها؛ فيسأله الأخير باللغة العبرية: "من أنت وماذا تريد..؟"، فقال له هذا الشاب بعد أن وضع يده على صدره: "هذا بيتي".

سبقت رد المستوطن ضحكة استهزاء طويلة خرجت من حنجرته، ليتبعها بذات اللغة: "روح بلاش تموت هان إذا حكيت كمان كلمة"، ابتعد هذا الشاب الذي حاول الدخول لمنزله واحتضانه بعد 17 عامًا من الهجرة، أمام تجمع المستوطنين حوله ملوحًا له من بعيد: "لازم نرجعلها بيوم من الأيام".

داخل خيمة تراثية يكسوها التطريز البدوي، تلقي بأوتادها أمام بوابة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" بمدينة غزة، يجلس الحاج يوسف بركات الذي طرق عمره باب السابعة والسبعين عامًا وما زال الحنين يشده إلى قرية "يبنا"، محتفظًا بمواقف ولحظات عدة كان فيها شاهدًا على النكبة، وخاصة الموقف السابق له مع المستوطن الإسرائيلي الذي حدث بعد 17 عامًا من "النكبة" في أثناء عودته من عمله في الزراعة في الداخل المحتل وفي طريق عودته لغزة ساقه الشوق إلى بيته وإلى ذكريات طفولة عمرها ست سنوات.

ترسم تعرجات وتجاعيد وجهه حكاية عمرها 72 عاماً؛ عاش قصة عائلة وبلدة وشعب مهجر قسرا، مرت تلك الأعوام ولا يزال بركات يحفظ كل تفاصيل وحارات "يبنا"، يحتفظ بمفتاح منزله، وأوراق ملكيتها، ليورثها لأولاده وأحفاده.

بداخل الخيمة ينقب الحاج بركات في حديثه مع "فلسطين" بذاكرته، ويقول بتنهيدة أرجعته إلى ما قبل النكبة: "حينما أتذكر يبنا، أتذكر ضياع الوطن، وكيف عشت رحلة الهجرة التي لا أنسى تفاصيلها".

كأنك تسمع  صوت أزيز الرشاشات الإسرائيلية من نبضات قلب ذلك الفتى يوسف الذي هرب من الموت ورصاص الرشاشات لأحضان أمه وأبيه؛ ترى في تعرجات قدميه مسيرًا استمر أربعة أشهر من "يبنا" مرورًا بقرية "حمامة" يحدثك عن حياته فيها عدة شهور قبل أن تقصفهم الطائرات مرة أخرى، لتستمر الهجرة إلى "عسقلان" ثم إلى "هربيا" حتى حطت أقدامه مدينة غزة التي احتضنت حكاية ما بعد اللجوء.

خريطة القرية، شوارعها، كل بيت فيها، تفاصيل لا تغيب عن ذاكرة هذا الحاج، تلك التنهيدة تروي مائة حكاية أخرى من الشوق: "كيف أنساها وأنا أحفظ كل تفاصيلها؟ ما زلت أتذكر مدارسها الابتدائية والثانوية، وأشجار الليمون والبرتقال والخضار والفواكه، ومنزلنا الواسع الجميل حتى إن المستوطنين لم يهدموه لشدة جماله".

"دائمًا أقول لأبنائي إن هناك أرضًا لكم مساحتها 80 دونمًا مزروعة بالعنب والتين".. هكذا يورث بركات ملكه الذي ورثه عن أبيه وأجداده، لكن التوريث هنا مختلف فتبقى تلك الملكيات في القلب، متمسكين بحقهم فيها الذي لن يسقطه مرور السنين، لأن هناك جيلًا سيسلم جيلًا.

وأضاف: "لا تفر من ذاكرتي مشاهد زراعة أبي للعنب والتين، وكيف كانت أمي تأخذني إلى بيت جدي في قرية "بشيت" ونأكل الزيتون والتين، كنت أرى أشياء عجيبة لا يمكن نسيانها".

ويربط بين الماضي والحاضر، بين النكبة والصفقة، قائلا: "هذه المؤامرة بدأت قبل سبعين عامًا وإلى اليوم، تريد حرماننا من حقوقنا، لكننا سنسقطها".

ويبنا هي قرية فلسطينية احتلت في 4 يونيو 1948، تقع في محافظة الرملة وتبعد 15 كم جنوب غرب مدينة الرملة، ترتفع عن مستوى سطح البحر بمقدار 25 متراً، وتعد هذه القرية من أكبر قرى قضاء الرملة وهي أقرب ما تكون للبلدة منها للقرية، قدر عدد سكانها عام 1945 بـ 6287 نسمة.

المصدر / فلسطين أون لاين