لم يبقَ أمام الطبيب العام رائد مشاعلة الذي يعمل بمستشفى بيت جالا الحكومي شمال غربي بيت لحم بالضفة الغربية، سوى المبيت بالمستشفى لكثرة الأعباء الملقاة عليه وغيره من زملائه في الطب العام، فهو يقضي أكثر من 300 ساعة عمل شهريًا، موزعة على 10 مناوبات يمضي في كل مناوبة نحو 30 ساعة متواصلة فضلًا عن المناوبات الأخرى.
وهذا ما يحرمه من علاقاته الاجتماعية ويجعله أشبه بأسير داخل الأقسام، بسبب نقص الكادر الحاد داخل المستشفيات الحكومية وعدم استجابة الحكومة لمطالب نقابة الأطباء بزيادة عددهم للتخفيف من الأعباء الملقاة على الأطباء الحاليين.
وهو ما لم يتم تنفيذه أو الاستجابة له، لتعلن النقابة في هذا الإطار سلسلة من الخطوات التصعيدية، وتتمثل بعدم التوجه لأماكن العمل في مراكز الرعاية الصحية الأولية باستثناء الطب الوقائي، وقد تصل إلى الاستنكاف عن العمل، كما قالت النقابة لصحيفة "فلسطين".
أعباء كبيرة
ورغم أن مشاعلة يبدي سعادة كبيرة في تقديم الخدمة للمواطنين، لكنه يرى أن الحكومة لا تنظر للتخفيف عن الأطباء وتجويد الخدمة بشكل أفضل، ويقول لصحيفة "فلسطين" عبر سماعة "الهاتف" وبدى منشغلا ومنهمكا في عمله: "أهم مشكلة بالنسبة لنا هي نقص الكادر البشري وليس العلاوة، فنحن نغطي دوامًا أكثر من المطلوب والبالغة أكثر من 300 ساعة عمل شهريا ولن تجد أي طبيب في العالم يمضي هذا العدد من الساعات".
"مضطرون لتغطية هذا العدد من الساعات في قسم الطوارئ بسبب نقص الكادر، وهذا يؤثر علينا ويسبب إرهاقا جسديًا بالكاد تذهب للنوم بالبيت، فلا ترى عائلتك وأصدقاءك، حينما تذهب في المناوبة الساعة الثامنة صباحًا وتعود لبيتك في اليوم التالي الساعة الثالثة ظهرًا".
يتساءل بحرقة على واقع الحال وصوت مقهور يحرر كلماته الغاضبة: "كيف لطبيب واحد يغطي قسم الطوارئ حينما تأتيك عشرون حالة دفعة واحدة؟ (..) لا نستطيع كتابة الملاحظات حتى، وأحيانا بسبب النقص في المعدات والأدوية نطلب من المريض شراءها من الصيدلية بسبب انقطاع الدواء، مثل مسكنات الأكامول والفلاجيل والأكامول الوريدي".
يتعجب مشاعلة متهكمًا على ذلك: "لو قارنا الراتب الذي نحصل عليه بساعات العمل ستكون المقارنة ظالمة، لأن ساعة العمل تفوق أضعاف ما ينص عليه قانون العمل الفلسطيني".
ولا زال يعرض ما يعانيه الأطباء قائلا: "حينما تكون مناوبا في قسم الطوارئ وتأتيك أقل شيء 100 حالة، ومطلوب منك متابعة مرضى الأسِرَّة، والتحويلات، وحينما تكون طبيبا داخل القسم، ستتابع لوحدة المرضى المدخلين ومرضى ما بعد العمليات، والذين يحتاجون لمتابعة .. وكل هذه أعباء".
3 مطالب
من جانبه، قال المتحدث باسم نقابة الأطباء، الدكتور نافذ سرحان: إن سبب الحراك الذي ستشرع به النقابة بسبب مطالب "محقة" من سنة 2013م لم يتم تنفيذها، مشيرا إلى أن النقابة تتناقش مع الحكومة منذ ثلاثة أشهر في الأمر لكن بدون استجابة من الأخير.
وقال سرحان لصحيفة "فلسطين": إن هناك ثلاثة مطالب للنقابة أهمها إلغاء تخصص "دكتور بصريات" الذي تنوي الجامعة العربية الأمريكية في جنين تدريسه دون أن يدرس الطالب طب عام، وهذا يؤدي إلى تداخل الصلاحيات بين البصريات وطبيب العيون.
وأوضح أن لهذا التخصص تداعيات سلبية على الصحة العامة والمجتمع، لأن من يدرس تخصص "العيون" يدرس طب عام ومن ثم يتخصص بالعيون لأن العيون مرتبطة بكل أجزاء الجسم، فيكون طبيب العيون على معرفة بمرضى السكري وكل الأمراض بخلاف التخصص الجديد "دكتور بصريات"، مشددا على أن النقابة لن توافق على هذا التخصص وأن على الجامعة البحث عن مسمى آخر لهذا المساق.
المطلب الثاني للنقابة، وفق سرحان، هو زيادة عدد الكوادر والأطباء مقارنة بالوضع الطبيعي في جميع دول العالم، مشيرا إلى أن المطلب الثالث يتمثل برفع علاوة لفئة الطب العام من 150% إلى 200%.
وبين سرحان أن المطلب الثالث يتمثل بزيادة 50% إلى فئة الطب العام لعدد نحو 600 طبيب، مشيرا إلى أن هذه المشكلة متراكمة منذ عام 2013م عندما وافقت حكومة سلام فياض على رفع علاوة طبيعة العمل إلى 200%، والتي لم تستفد منها فئة الطب العام.
ولفت إلى أن النقابة اجتمعت مع رئيس السلطة محمود عباس قبل شهر وتعهد أن يوقع على المطالب بعد مناقشة الأمر بين اللجنة الوزارية والنقابة، مستدركا: "لكنها للأسف؛ تنصلت ولم تستجب للمطالب بحجة الأوضاع المادية".
وحذر أن الأمور ذاهبة نحو "موقف خطير" من النقابة وهو بالاستنكاف عن العمل إذا لم تحل المشكلة ويتم الاستجابة للمطالب.
كما تطالب بتعديل كادر الأطباء الحاصلين على البورد الفلسطيني والمثبتين كموظفين في وزارة الصحة، وتوقيع عقود الأطباء على برنامج الاختصاص والمستحقة منذ عام وذلك عن سنتي 2019و2020، ودفع المستحقات المالية للأطباء الذين قطعت رواتبهم دون وجه حق والذين قدمت قائمة بأسمائهم إلى رئيس الوزراء ووزيرة الصحة، ورفع علاوة القدس للأطباء العاملين في وزارة الصحة.