حفظ الإسلام حق الجنين منذ تكوينه في بطن أمه، فرصد له حقًّا في الميراث بعد ولادته ووصية وليه المالية، وضمن له حق الحماية في أثناء الحمل به، وهو جزء من حقوق الفرد التي كفلها الإسلام.
ولا تتوقف العدالة الاجتماعية في الإسلام عند هذا الحد، بل الشريعة الإسلامية جاءت لتحقيق مقاصد وغايات، وجلب مصالح ودرء مفاسد وآفات لتحقيق السعادة للبشرية في الدنيا والآخرة؛ لذا لم تغفل عن تناول جميع جوانب حياة الناس، ومنها الجانبان الاجتماعي والاقتصادي.
ويوضح رئيس دائرة الإفتاء في رابطة علماء فلسطين د. ماهر الحولي أن الشريعة الإسلامية أرست قواعد ومنهجًا وأسسًا واضحة في الاقتصاد والاجتماع، لضمان تحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية في المجتمعات الإسلامية.
ويلفت الحولي في حديثه لصحيفة "فلسطين" إلى أن العدالة عامةً غاية كبيرة وتحقيقها ينشر الأمان والأمن والطمأنينة والاستقرار في المجتمع، مضيفًا: "العدالة الاجتماعية تعني تحقيق العدل والمساواة بين جميع شرائح المجتمع، وفي داخل الأسرة، وفي العلاقة بين الناس، وتنفيذ القانون والتساوي في الحقوق والواجبات".
ويفصّل أكثر: "في داخل الأسرة إذا ما قام كل فرد بواجبه تجاه الآخر، الزوجان كل منهما يؤدي واجبه، والأب يعدل بين جميع أبنائه، فلا يفضل واحدًا على آخر، ولا يحرم البنات الميراث أو يهضم حقوقهن؛ فعندها تتحقق العدالة الاجتماعية".
ويتابع رئيس دائرة الإفتاء: "وعلى مستوى الدائرة الأوسع (المجتمع) تتحقق العدالة بأخذ كل واحد من أفراد المجتمع حقه في ما يتحصل عليه من الواجبات التي له فيها حق على الدولة من أمن وأمان وتوفير حياة كريمة".
وبتخصيص الحديث عن القواعد الاقتصادية في الإسلام التي تحقق نوعًا من العدالة الاجتماعية، يشير إلى أنها تتمثل في عدالة توفير فرص العمل، والتوزيع، وفرض الواجبات، والضرائب.
ويبين الحولي أن الزكاة من المبادئ التي لها بعدان: الأول اقتصادي والآخر اجتماعي، موضحًا أن البعد الاقتصادي أنها تدفع عجلة الاقتصاد وتساهم مساهمة كبيرة جدًّا في استقراره، وتنشئ حركة مالية بين الناس، أما البعد الاجتماعي فهي تؤسس لمبدأ التكافل والتعاون وإعانة المحتاج وإغاثة اللهفان وتفريج الكربات وسد الحاجات.
وفيما يتعلق بالتفاضل بين الناس، يوضح أن الشريعة الإسلامية ساوت بين الناس في الحقوق والواجبات، فلا فضل لغني على فقير، ولا لقوي على ضعيف، ولا لصاحب سلطة ونفوذ على من ليس له سلطان.
ذلك أن معيار التفاضل في الشريعة الإسلامية –كما يقول رئيس دائرة الإفتاء- هو التقوى فقط، وفق قوله (تعالى): "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ"، وقوله (صلى الله عليه وسلم): "لا فرق بين عربي ولا أعجمي ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى".
ويضيف: "الناس سواسية في الإيمان، ويتفاوتون في درجته بالتقوى"، فهم بإنسانيتهم وآدميتهم سواسية كأسنان المشط، لكن الأفضلية بالتقوى، ما يساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية لتكون معيارًا يرتقي به الإنسان على أقرانه ومن حوله.
وبالإشارة إلى أن الإسلام كفل حقوق الفرد في المجتمع، ومن ذلك حفظ حق الفرد منذ تكوينه جنينًا في بطن أمه، يوضح الحولي أن الشريعة الإسلامية اشتملت على كثير من الأحكام التي تتناول الحقوق الفردية، منها على سبيل المثال أحكام الميراث والوصية للجنين وهو ببطن أمه، وأحكام الميراث عامة والنفقة والوقف وغيرها من الأحكام التي تنظم أمور الأفراد المالية، وتضمن حصول كل فرد في المجتمع على حقه بعيدًا عن الظلم، وكلها قواعد وأحكام وضعتها الشريعة الإسلامية لرسم لوحة رائعة لقواعد العدالة الاجتماعية.
يشار إلى أن عددًا من العلماء والمفكرين تناول مسألة العدالة الاجتماعيّة في الإسلام بالتّأصيل لها من الكتاب والسنّة، وشرحوا كيفيّة تحقيق العدالة الاجتماعيّة وفق تصوراتهم، ومن المفكرين الذين تصدوا لهذه المسألة العلامة سيد قطب صاحب كتاب العدالة الاجتماعيّة في الإسلام، حيث تحدّث عن المساواة الإنسانيّة والتّكافل الاجتماعيّ، كما تحدث عن أساليب تحقيق العدالة الاجتماعيّة برقابة الضّمير الذّاتيّة، وتطبيق أحكام الشّريعة الإسلاميّة في الحياة.