فرضت حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة تساؤلات شرعية حول سلسلة من الأحكام والقضايا المتعلقة بالشهداء والأرامل والأيتام والديون وصولًا لزكاة الأموال للميسورين من أصحاب المال أو المودعة أموالهم في البنوك المحلية.
ونبعت هذه التساؤلات من أهوال "حرب الإبادة" المستمرة منذ 18 شهرا وأتت على جميع مناحي الحياة في القطاع المدمر "إسرائيليًا" دون استطاعة أصحاب الأموال سحب جزء منها أو كلها من البنوك التي أغلقت أبوابها بعد أيام من بدء الحرب في أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وأمام كثرة السؤال عن حكم إخراج زكاة المال في هذه الظروف الصعبة التي يعسر فيها الحصول على سيولة مالية بسبب ارتفاع نسبة العمولة على سحبها، والحلول الشرعية لتجاوز هذه الأزمة، أجاب مفتي محافظة خان يونس الشيخ محمد إحسان عاشور عن ذلك.
وقال المفتي عاشور: أنه يتوجب على المزكي أن يجتهد في توفير السيولة ما أمكن ولو جزئيا، ويجوز تحويل الزكاة أو جزءٍ منها للفقراء من خلال التطبيق البنكي أو المحافظ المالية، إذا أمكن؛ ليستفيد منها الفقير في قضاء ما يناسبه من الحوائج.
وأضاف في فتواه: "إن كان الفقير في حاجة إلى السيولة فننصح المزكي أن يساعده في ذلك ما أمكن؛ لئلا يضطر الفقير لدفع العمولة فتنقص الزكاة".
وفي حال لم يكن للفقير محفظةٌ ماليةٌ أو تطبيقٌ بنكيٌّ، فـ"يجوز إخبار الفقير أنه بإمكانه شراء ما يحتاجه من أي بائع، ويقوم المُزكٍّي بتحويل المبلغ للبائع مباشرة من خلال التطبيق البنكي، وهذا متاح في السوق بشكل واسع".
ونصح بعدم توجيه الفقير إلى سوبر ماركت محدد أو بائع معين ليشتري منه؛ لئلا يَجُرَّ المُزكِّي نَفعَ الزكاة لبائع معين ويبقى الآخرون دون فائدة - إلا إذا كان هذا البائع أميناً ثقةً لا يستغل الناس ولا يغالي في الأسعار - فيمكنه أن يعطي الفقير حرية الشراء منه من خلال ما يُعرَفُ بالقسائم الشرائية.
ونبه الشيخ عاشور إلى أنه لا يجوز للمُزكِّي أن يشتري طروداً غذائية للفقراء من زكاة المال؛ لئلا يضطر الفقير إلى بيع محتوياتها بثمن بخس أو يلقيها في الشوارع لكثرتها عند الناس، كما رأينا سابقاً.
وإزاء الأوضاع الراهنة، لمن أراد أن يخرج زكاة الفطر نقداً فيجوز له أن يخرجها على التفصيل السابق، ومن أراد أن يخرجها طعاما فيجوز له أن يخرجها مما تيسر له من طحين أو أرز أو عدس أو نحوه مما يصلح أن يُخرَجَ في زكاة الفطر. والقول للمفتي.
"قسائم الأيتام"
وهناك سؤال آخر شائع في غزة، حول تصرف الأم (أرملة الشهيد) بقسائم غذائية/ أخرى تتوفر بكثرة داخل المنزل، وتتصرف فيها الأم لصالح والدتها أو إخوانها أو أخواتها أو جيراتها، أجاب هناك أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأقصى د. بسام العف على نحوين لـ "فلسطين أون لاين".
الأول/ (قسائم فيها حصة الأرملة) وهنا لها حق التصرف فيها وإفرازها دون حصة الأيتام (كيفما شاءت).
والثاني/ (قسائم حصة الأيتام) فلا يجوز للأم التصرف فيها إلا إذا كان لمثلها أو أفضل منها، فـ"الأم هنا تعمل لمصلحة الأيتام، ولا يجوز لها التصدق بمال اليتيم"، وفي حال تصدقت بمال اليتيم: "فيجب أن يكون هناك بديل مقابل بما هو مثله أو أنفع لليتيم".
وذكر الأكاديمي العف أن المطلوب من الأم هو إخراج الحق الواجب من مال اليتيم، فمثلا يجوز إخراج زكاة الفطر من أعيان هذه القسائم (حساب قيمة الشيئ مقابل قيمة الزكاة) وحددتها دائرة الإفتاء الفلسطينية بقيمة 10 شيقل.
ويتوجب على الأم أيضا إخراج زكاة مال اليتيم في حال كان مقدارها (5 آلاف و600 دينار فأكثر) وحال عليها الحول، وهنا يجوز إخراج القيمة على الأوجه التي تتناسب مع ظروف غزة حسبما حددها سابقا مفتي خان يونس.
والزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام بعد الشهادتين وإقامة الصلاة، وذلك لأهمية الزكاة في الإسلام بما تشهد به نصوص القرآن والسُّنة الكثيرة.
وتكمن مصارفها بعدما تولاها الله تعالى بنفسه، ولم يترك الحكم فيها لملك ولا لحاكم، ولا لمجلس شورى، ولا غير ذلك، فقال تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (التوبة: 60).
تساؤلات عربية
وتكثر التساؤلات الشرعية في الدول العربية والإسلامية حول مشروعية إخراج الزكاة لأهل غزة، وهل هم من أهل الزكاة؟ ومن أي وجه شرعي يستحقون الزكاة إن كانوا مستحقيها؟، وحول ذلك أجاب أستاذ الفقه والسياسة الشرعية المشارك في جامعة الأزهر – مصر د. حلمي الفقي.
والحق أن أهل غزة مستحقون للزكاة من وجوه كثيرة وليس وجهاً واحداً، وذلك على النحو التالي: أن أهل غزة مستحقون للزكاة من جهة أربعة مصارف من مصارف الزكاة الثمانية، هي: الفقر، المسكنة، الغرم، والجهاد في سبيل الله، مع ما يقوم به أهل غزة من شرف الدفاع عن الأمة، فكانوا مستحقين لها مقدمين على غيرهم، بما في ذلك من مآلات أعظم يعود نفعها على الأمة وليس عليهم وحدهم.