تفيد المصادر العبرية بأن حكومة الاحتلال قررت مساء الاثنين "إغلاق جميع المعابر مع غزة، وحتى إشعار آخر، مع إغلاق منطقة الصيد، ووقف إدخال البضائع من كرم أبو سالم، باستثناء الأدوية والمعدات الطبية والوقود، وأبلغت شركات القطاع الخاص بغزة عبر الإدارة العامة للمعابر بهذه القرارات".
هذه القرارات العقابية الجماعية ضد سكان غزة، لا تطبق على غزة لأول مرة، ولا ينبغي النظر إليها على أنها ردود إسرائيلية على جولة التصعيد الأخيرة، بل يجدر بنا أن ننظر إليها كسياسة استراتيجية إسرائيلية مقرة، ومكررة، كاستراتيجية الاستيطان المتدرج والمتواصل في الضفة والقدس.
التتبع السنوي للأحداث مع غزة يقول: إنه مع كل عملية مقاومة للاحتلال، يجري العدو عمليات قصف انتقامية، يتبعها مباشرة بعقوبات اقتصادية على قطاع غزة، ترهق المجتمع بشكل عام، والقطاع التجاري بشكل خاص، حيث يتم احتجاز البضائع في أماكن تواجدها في المعابر أو ميناء أسدود، وتفرض جمارك مالية على أصحابها، وبعضها يتلف لأنه غير قابل للتخزين.
دولة العدو تضرب غزة عسكريًّا، وترهق غزة اقتصاديًّا، وتحرم المصانع من مواد التصنيع اللازمة بحجج مختلفة، وتزعم إعلاميًّا أنها تبحث عن تهدئة مع غزة، وأنها تود أن ترى غزة منتعشة اقتصاديًّا، وكل ما يقال في هذا الإطار كذب وهو محض استهلاك إعلامي؟!
حكومة الاحتلال مسئولة مسئولية مباشرة عن عملية سحل فتى خان يونس، والتمثيل بجثته أمام الكاميرا، والإساءة إلى ذويه وإلى الشعب كله، بل واحتقار جميع المفاهيم الحضارية العالمية التي تمنع التمثيل، والتي رفضها الاتحاد الأوروبي وأدانها، ومع ذلك تعد حكومة العدو غزة مذنبة، لأنها دافعت عن الكرامة الإنسانية، ناهيك بالكرامة الوطنية؟!
إنه ومع إدراك حكومة الاحتلال إلى خطر جريمة التمثيل مستقبلا في عمليات الصراع، ذهبت لتكريس استخفافها بالسكان في غزة إلى إغلاق المعابر، واحتجاز البضائع، وإغلاق البحر، في خطوات انتقامية تستهدف إيجاد حالة شقاق بين المقاومة والمواطنين.
دولة الاحتلال، وجيشها، ومخابراتها، لم تنجح في إيجاد شقاق بين حماس والجهاد، وهي لم تنجح أيضا في إيجاد شقاق بين المقاومة والمواطنين، وتجربة الضفة الغربية التي تعيش تحت جرائم المستوطنين والجيش، تغري المقاومة والمواطنين على الوحدة، والعمل معًا، والرد على جرائم الاحتلال، لا سيما حين تنتهك كرامة شعب بكامله من خلال سحل قتلاه، والتمثيل بهم.
إنه مهما قيل عن معرفة الإسرائيليين بالفلسطينيين، فإن الأحداث والتجارب تقول إن معرفتهم سطحية وناقصة، الفلسطيني يقبل القتل، ويقبل على الشهادة، ولكنه لا يقبل التمثيل بجثث أبنائه. على العدو أن يقرأ كثيرًا في التراث الفلسطيني ليتعرف على الشخصية الفلسطينية، التي تسكن كل نفس فلسطينية، وكل بيت فلسطيني. الفلسطيني يموت ولا يمثل بجثة ابنه أو جاره، فلا نامت أعين الجبناء.