بدت جولة التصعيد الأخيرة خارج إرادات الأطراف الرئيسة المرتبطة بالملف الفلسطيني، وتحديدًا حكومة الاحتلال وحماس والقاهرة، خصوصًا أنها جاءت بعد أيام من تهدئة متجددة نجحت من خلالها المقاومة بتوسيع مساحة التسهيلات لتخفيف الحصار، فيما يحرص الاحتلال على تمرير الفترة الانتخابية المقررة مطلع مارس دون تشويش أو إرباك.
موجة التصعيد الأخيرة، فجرتها الصورة القاسية والمستفزة، عقب تنكيل الاحتلال بجثمان الشهيد محمد الناعم على الحدود الشرقية لخانيونس صباح الأحد 23 فبراير، فيما سعت جهات فلسطينية، ووزير الحرب في حكومة الاحتلال نفتالي بينت، لاستغلال مشهد التنكيل بالشهيد، كل حسب مصلحته، فقد حاول "بينت" تسويق نفسه بأنه جامع جثث الفلسطينيين على طريقة سلسلة أفلام رعب" "saw أو "المنشار"، فيما وظف إعلام وأقلام السلطة جريمة الجرافة، لشن هجوم ضد حماس، في محاولة للتحرر من الزاوية التي حشرت فيها منذ إعلان ترامب صفقة القرن.
في المقابل حرصت المقاومة على تفادي أخطاء وقعت فيها خلال جولة التصعيد التي أعقبت اغتيال القيادي في الجهاد الإسلامي بهاء أبو العطا في ديسمبر 2019، وجرت نقاشات بين حماس والفصائل على رأسها الجهاد الاسلامي لتجاوز المحاولات الإسرائيلية الاستفراد بـ«سرايا القدس»، وقد أخذت المشاورات والتنسيق وقتها، ما انعكس على ردود المقاومة، وعلى رأسها سرايا القدس التي قدمت أداء ميدانيًا أفضل من حيث تكتيك إطلاق الصواريخ، وتفادي الخسائر البشرية في صفوفها وخطاب إعلامي أكثر توازنًا، فيما حرصت حماس على تقديم دعم وإسناد لضمان إستراتيجية الفهم الموحد لدى الفصائل بأن الدم الفلسطيني خط أحمر، وأن تهديدات العدو بتوسيع العدوان ستواجه بمقاومة لم يعهدها من قبل.
اللافت أيضًا تكرار الهجوم بالتوازي بين غزة ودمشق، بنفس الطريقة اغتيال القائد الميداني للجهادي بهاء أبو العطا في غزة، والقيادي أكرم العجوري في دمشق، ما يكشف عن مخطط إسرائيلي لنقل الاستهدافات ضد الجهاد وفصائل المقاومة خارج الأراضي الفلسطينية.
انتقال المواجهة لساحات أخرى وتحديدًا السورية، يضمن للاحتلال -حتى الآن- عدم مواجهة ردود من الدولة التي تخوض حربًا أهلية، كما أنه يعطي مؤشرًا إلى أن الاحتلال يسعى لقطع الطريق أمام فصائل مقاومة تستثمر وجودها في الساحة السورية أو غيرها.
من أبرز نتائج الجولة الأخيرة تثبيت فرضية: أن غزة لن تقبل الاستلام أو البقاء تحت رحمة الاحتلال، ولن يكون هناك هدوء مقابل الحصار والانتهاكات، وقد استخدمت المقاومة سياسة عصر الليمونة في مواجهة الاحتلال من خلال الضغط عليه حتى آخر بالون أو صاروخ في جولة التصعيد.
تدرك المقاومة اليوم صعوبة إقدام الاحتلال على المغامرة بعملية عسكرية واسعة دون ثمن، لكنّها أيضا لا تملك فائض قوة تقبل استنزافه دون تحقيق أهداف تتوافق عليها فصائل المقاومة كافة.
كما أكدت غزة بإدارتها أنها حاضنة للمقاومة، وفّرت بيئتها فرصة للفصائل لتطوير قدراتها، بخلاف واقع الضفة الغربية الخاضع للقبضة الأمنية للسلطة الفلسطينية، إلى جانب التطوع بالتنسيق الأمني، بعد إلغاء الاحتلال ما بقي من أوسلو، عقب إعلان صفقة القرن، والشروع في تطبيق بنودها على الأرض، ورسم خارطتها على حساب الفلسطينيين في الضفة والقدس.