القدس، والمسجد، هما مقياس حالة العافية من عدمها للبلاد العربية والإسلامية. إذا كانت البلاد الإسلامية بصحة وعافية، كانت القدس والمسجد فيها معهم بعافية، وإن كانت البلاد العربية والإسلامية مريضة ولا عافية لها، كانت القدس والمسجد كذلك.
لماذا القدس والأقصى؟ لأن التاريخ يقول لنا إن مكة والمدينة لم تتعرض للغزو الاستعماري الاستيطاني، والقدس والأقصى هما ما تعرضا لهذا الغزو، على يد الصليبيين، ثم على يد الإنجليز ، ثم على يد اليهود. القدس الأرض المباركة كانت وما زالت محط أطماع اليهود والصليبيين، وامتحان القدس هو امتحان للفلسطينيين والمسلمين على السواء.
حين اشتدت عافية صلاح الدين تحرر الأقصى، وحين كانت الأمة بلا عافية صلاح الدين كانت القدس ومسجدها مربطًا لخيول الصليبين ومكانًا لتجميع قذاراتهم. وحين غاب صلاح الدين عن الأمة الحديثة تسلط يهود على القدس والأقصى، وحرمونا من زيارته، ومن الصلاة فيه، وهاجموا المصلين في صلاة الفجر العظيم ونكلوا بهم. رعاية الهاشميين لم تنفع المصلين، ومنافسة السعوديين على الرعاية لم تردع المستوطنين.
صلاة الفجر العظيم، التي هي عبارة عن دعوة إسلامية للمسلمين تدعوهم للصلاة جماعة في المسجد الأقصى بحسب تعاليم الإسلام الحنيف، دفاعا عن المسرى، لم ترُق للاحتلال والمستوطنين، لذا تجدهم يعتدون على المصلين، ويعتقلون الشباب، ويجعلونهم هدفا لكلابهم. إذا كان المقدسي لا يأخذ حريته في المسجد الأقصى، والغزي يمنع من الصلاة فيه، وابن الضفة يحتاج لتصريح، فأين العافية في البلاد العربية والإسلامية؟! لمن القدس؟! ولمن المسجد؟!
القدس لا تجامل أحدا، وهي ليست هامش كتاب، بل هي متنه، فمن يستحقها تعطيه ثمرة قلبها، وتخلد اسمه في تاريخ الصالحين، ومن لا يستحقها تلفظه، كما تلفظ الأرض الطبية خبثها، ويبدو أن قيادات البلاد الحالية لا يستحق أحد منهم شرف القدس، لذا لا تنفعل القدس لكلامهم، ولا لتصريحاتهم، وتمر عنها مرور الريح على أرض صحراء لا لقاح ولا عبير ولا غيث.
البلاد العربية والإسلامية تمرض، ومرضها يذلها، ومرضها فيمن يحكمونها جبريًّا، والقدس تبقى مستعلية، ترفل بعافية الدين والتاريخ، وترفض الذلة، وتستقدم الصالحين والأحرار والأقوياء من كل بلاد المسلمين. القدس لا يعنيها ما فعله ترامب، ولا ما يفعله نتنياهو، القدس يعنيها ما يجب أن يعمله المؤمنون، أحفاد الفاروق وصلاح. فهل يعي قادة البلاد الإسلامية ماذا تعني القدس؟! القدس ليست جغرافيا، وأرض مباركة، وليست تاريخ، وليست عامة، أو عروس عروبة، فهي كل ما تقدم، وفوق ما تقدم لأنها آية من كتاب الله، ومركز فتنته وامتحانه على مرّ السنين والحقب، لا ينجو من امتحانها إلا رجل عمل من أجلها، أو مات دونها.