فلسطين أون لاين

كمبادرة "استمتع بالتعلم خارج الصندوق"

إنعام البطريخي.. معلمة تخرج بأساليبها عن المألوف

...
غزة- هدى الدلو:

"جئت اليوم لأروي لكن حكاية الحال، كان يا مكان ولا يحلو الكلام إلا بذكر الله والصلاة على النبي العدنان، كان هناك بستان مليء بالمرفوعات والمنصوبات والمجرورات والتوابع، كان يقام به حفلٌ لأبناء اللغة العربية بين أحضان الطبيعة، وطرق الباب فقامت الأم اللغة العربية لتفتح الباب وإذ به الحال..."، هكذا بدأت المعلمة إنعام الخطيب شرح درسها لطالباتها في الهواء الطلق.

وكان ذلك بعيدًا عن الغرف الصفية المغلقة والمقاعد الدراسية، وذلك بعدما ارتدت العباءة وطربوش الحكواتي لتسرد لطالباتها اللواتي تجمعن حولها حكاية الحال، فقد اعتمدت في شرحها للدرس على استراتيجية الحكواتي، ضمن مبادرتها "استمتع بالتعلم خارج الصندوق".

إنعام البطريخي (48 عامًا) ، من سكان حي الشجاعية شرق مدينة غزة، معلمة لغة عربية للصف العاشر في مدرسة نسيبة بنت كعب (ب)، تعمل في سلك التعليم منذ 16 عامًا، ومن اليوم الأول الذي وطأت فيه قدماها المدرسة، وهي تعمل على إيجاد بصمة مميزة لها من خلال اعتمادها على التعلم النشط.

تقول لصحيفة "فلسطين": "أدرك تمامًا أن توظيف أكثر من حاسة يساهم بشكل كبير في ترسيخ المعلومة لدى الطالبات، رغم أن الأمر ليس سهلًا بل يحتاج إلى جهد بدني وعقلي، لكن لا مشكلة فالمدرسة بيتي الثاني الذي أقضي فيه معظم وقتي، والطالبات بناتي".

مشاريع ومبادرات

وتريد البطريخي من هذه المبادرة الخروج عن الأفكار المألوفة، والتفكير خارج الصندوق، مستخدمة طرقا كثيرة وأساليب عديدة في التدريس وإيصال المعلومة إلى عقل الطالبة، من خلال النشيد، أو الحكواتي، أو الرسم، أو الدمى المتحركة، أو الدراما والقصة القصيرة والشعر، والرؤوس المقلوبة، حتى أصبحت الطالبات يبتكرن استراتيجيات جديدة في شرح الدرس، مضيفة: "عندما تخبرني الطالبة بأن لديها أسلوبا جديدا في الشرح أشعر بفرحة كبيرة، ويدل على مدى اهتمامهن بالحصة وحبهن للمادة".

وتشير إلى أنها تهدف من مبادرتها إلى ترسيخ المعلومة في أذهان الطالبات، وتبسيط اللغة العربية وتحبيبها لهن، ولكن لضيق الوقت في المدرسة تضطر لنقل العمل إلى البيت.

وكانت البطريخي قد اشتركت في مبادراتها في مسابقة المبادرات التي طرحتها وزارة التربية والتعليم العام الدراسي الماضي، ولكن لم يتسن لها إكمالها بسبب وفاة زوجها، وقضائها للعدة، فلم تستطع التواصل مع الخارج بشأن مبادرتها فحرمت من التقييم، وعملت على إكمالها العام الحالي وتطويرها.

ولم تقتصر على هذه المبادرة، فعلى مدار 16 عاما تنقلت بكل جهد واجتهاد بين عدة مبادرات، وابتكار طرق جديدة في التعلم كعباءة الخبير، والاستمتاع بالتعلم خارج الصندوق وتعمل حاليًا على تطويرها بمبادرة جديدة ,"استمتع بالتعلم حبيبة ولبيبة" خاصة بالنحو .

كما أن العلاقة بين البطريخي وطالباتها ليست مجرد علاقة معلمة مع طالباتها، رغم فارق العمر، إذ تقول مبتسمة: "الشباب شباب القلب، فالكثير من الطالبات يحدثنني بأسرار لا يخبرونها لأمهاتهن، وأصبحت حصة اللغة العربية محببة إلى قلوبهن وينتظرنها بفارغ الصبر".

أما زميلاتها من المعلمات فبتن يستعن بخبراتها في مجال التعليم النشط، وتساعدهن في إيجاد مدخل للحصة الدراسية ليجذبن انتباه الطالبات للدرس.

وتتميز البطريخي بموهبة كتابة الشعر والقصص القصيرة، ولكنها لم تخرج للنور، وكانت تتمنى أن يكون لها دواوين شعرية، ولكن ظروفها العائلية حالت دون ذلك، واستعانت فيها بابتكار استراتيجيات جديدة في التدريس.

وعند بداية كل عام دراسي تطلق مشروع "أملي لهم" وهو يستهدف الطالبات اللواتي لا تعرفن الفتحة من الضمة، وعن ذلك تقول: "أجري اختبارا تشخيصيا لأتعرف على مستويات الطالبات، ونقاط الضعف لديهن لأركز عليهن خلال العام الدراسي، إلى جانب الإملاء، والطالبة التي ترسب فيها ألحقها بمشروع "معلم ومتعلم" لتعلم الطالبة المتفوقة زميلتها ذات المستوى الضعيف، وأكون معهن في متابعة أسبوعية وأكافئ الطرفين بإضافة درجات في النشاط.

وتشرف البطريخي في مدرستها على مشروع "تحدي القراءة"، حيث تتابع الطالبات اللواتي يلتحقن فيه، لتعرف مدى استفادتهن من الكتب التي تتم قراءتها، كما أنها أمينة مكتبة المدرسة فتستغل حصص الفراغ لتصطحب الطالبات للمكتبة لتعديل بعض سلوكياتهن الخاطئة، وإثراء ثقافتهن، إلى جانب الملف الإذاعي والنشاطات والمسابقات الخاصة بالمدرسة.

وتحمل الشارة الخشبية وهي أعلى المراتب في الكشافة، ودورات التلاوة والتجويد فتمكنت من ايجاز أربع قراءات، وتعلم طالباتها أحكام التلاوة.

لكن من المعيقات التي واجهتها، ضيق الوقت فتضطر الى اكمال مهامها في البيت، وقلة الدعم المالي الذي له دور كبير في تحفيز الطالبات، في ظل كثرة الأدوات التي تحتاجها لإعداد الوسائل التعليمية.

وظروف البطريخي لم تكن سهلة، فبعد انتهائها للثانوية العامة رفض والدها إلحاقها في الجامعة لاعتقاده أن "جامعة البنت مطبخها"، فتزوجت، وأنجبت خمسة أبناء، وبحادثة أليمة غيرت مجرى حياتها عندما سقط زوجها من علو سبب له شللًا دماغيًا، لكنها لم تتقوقع في البيت، بل امتشقت سلاح شهادة الثانوية العامة والتحقت بالجامعة لنيل شهادة البكالوريوس، ومن ثم شهادة الماجستير.

وتتابع: "كنت حينها 28 عامًا عندما عدت لمقاعد الدراسة، وكان زوجي يمكث في المستشفى، أجلس بجواره، يدٌ تحمل الكتاب، والأخرى على زوجي خوفًا من أن يفارق الحياة فجأة، استمررت على هذا الحال ما يقارب ثلاث سنوات حتى تخرجت".

وبسبب وضعها وظروفها حصلت على وظيفة بدل أمومة، وبعدها تثبتت، كانت قبل ذهابها للمدرسة تلبي طلبات زوجها الذي يعاني من غيبوبة تامة، وأبنائها وبيتها ثم تذهب إلى عملها، وتعبر البطريخي عن طموحها بالقول: "أتمنى تنشئة جيل واعٍ يؤمن برسالة المدرسة، وأهمية التعليم والشهادة".