كثرت أحاديث نتنياهو في هذا العام عن علاقة (إسرائيل) العلنية والسرية مع البلاد العربية. نتنياهو يرى أن علاقة دولته بالدول العربية تسير بشكل جيد ومطرد نحو الأحسن، وأن دولتين أو ثلاث دول عربية هي فقط التي لا تقيم علاقة مع (إسرائيل). وعبّر نتنياهو عن إعجابه بتقدم علاقته مع المملكة السعودية، ودول الخليج، وكشف عن طيران الطائرات الإسرائيلية فوق المملكة والسودان، وأن زيارات الإسرائيليين للمملكة قيد التنفيذ. وأنه يحاول إقناع الدول العربية بالتطبيع مع (إسرائيل)، وأن الرفض الفلسطيني لصفقة القرن لا ينبغي له تأخير التطبيع، بل إن الفصل بين القضيتين هو السياسة الصحيحة. وقال: "إن إسرائيل تعيش في وضع ممتاز" وقال: "إنني أصنع ثورة مع العالم العربي؟!". وقال: "لن نعود إلى الوضع الذي كان قبل 1967م كما لا يمكنك العودة إلى ما قبل 1917م؟". وقال: "لا يعقل أن يعطل الفلسطينيون السلام بيننا وبين العرب؟!".
هذه الأقوال التي يكثر نتنياهو الحديث فيها في كل مناسبة ليست من باب الدعاية الانتخابية، كما قد يحسب بعضنا، والصواب أنها أقوال حقيقية، بدأت تكشف عن نفسها بنفسها رغم غلاف السرية التي أصرت عليه القيادات العربية منذ عقود طويلة. القيادات العربية التي ماتت، والتي هي على قيد الحياة، عدا قلة قليلة منهم، كانت تقيم علاقات سرية، وتجارية وأمنية مع (إسرائيل)، قبل وجود الخطر الإيراني، وقبل حرب اليمن، وقبل ترامب.
هذه القيادات كانت تمارس خداعًا للفلسطينيين داخل الجامعة العربية، وفي وسائل الإعلام، بينما هي غارقة في موبقات خيانة القضية الفلسطينية. والدليل على هذه الخيانة والنفاق، هو ما يصرح به نتنياهو الآن، والمؤسف أنه لم تخرج قيادة عربية لتنفي ما يقوله نتنياهو. وإذا غاب النفي فإن ادعاء نتنياهو صحيح. ولأنه صحيح تجد أن العلاقة العربية مع الفلسطينيين تتراجع، بينما هي في تقدم مطرد مع إسرائيل؟! إنك لا تكاد تجد دعمًا حقيقيًّا للنضال الفلسطيني، بل تجد عكس ذلك، حيث تدفع بعض الدول العربية الفلسطينيين لقبول صفقة القرن، وترك قضية اللاجئين تحل بعيدًا عن فلسطين؟!
منذ هزيمة عام 1967م فقد القادة العرب إرادة مقاومة (إسرائيل والصهيونية)، وتصاعد هذا الأمر إلى أن وصلنا إلى هذه الحالة التي يكون فيها نتنياهو أقرب للعواصم العربية من هنية وخالد مشعل، وتكون القدس إسرائيلية، وتكون حماس المتدينة إرهابية؟! ويكون ترامب رجل القرار في مصير المسجد الأقصى وفلسطين المباركة عش الأنبياء، ومهبط الرسالات؟! هل هذا شهر عسل عربي إسرائيلي؟! الجواب: نعم، ولكنه الشهر الأخير من سنوات الخداع؟!
إن قرب نتنياهو من عواصم العرب، يعني قرب نهاية حقبة مسمومة، وقرب بداية حقبة جديدة بلا سموم، يقودها رجال مؤمنون، يضعون إسرائيل في حجمها، وهذا سيكون بتمرد الجيل الجديد على ذلة آبائهم، وخيانتهم لمسرى رسول الله، ويقولون متى هو، قل عسى أن يكون قريبًا.