رغم أن صفقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تثبت سيطرة الاحتلال على (40% ) من مساحة الضفة الغربية، وتقسم المدن الفلسطينية إلى جزر متناثرة تلغي أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية، إلا أن رئيس السلطة محمود عباس لا يزال يرى "السلام" مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي "ممكنا وقابلًا للتحقيق".
ففي خطابه أمام جلسة مجلس الأمن الدولي حول "صفقة ترامب" قال عباس: "ليس لدينا سوى خيار واحد وحيد؛ لنكن شركاء وجيرانا، كلٌ في دولته المستقلة وذات السيادة فلنتمسك معا بالخيار العادل قبل فوات الأوان، فصراعنا ليس مع أتباع الديانة اليهودية".
وليس هذا الخطاب الأول لعباس أمام المحافل الدولية، التي يؤكد فيها على أطروحاته السياسية ذاتها بشأن مفاوضات التسوية، و"مكافحة الإرهاب" الذي يقصد به المقاومة، واتفاق أوسلو الذي يؤكد مراقبون أن سلطات الاحتلال ذوبته على الأرض مع انتشار الاستيطان على معظم أراضي (ج).
ويثير تراجع عباس عن مشروع قرار إدانة "صفقة ترامب"، ومؤتمره مع رئيس حكومة الاحتلال السابق أيهود أولمرت، على هامش الجلسة، تساؤلات حول جدوى عقد جلسة لا تحشد معطياتها رأيًا عامًا دوليًّا لرفض الصفقة، ومشروع قرار يدين الخطة الأمريكية.
وبعكس ما يعتقد عباس، يرى مراقبون وشخصيات فلسطينية تحدثت إليهم صحيفة "فلسطين"، أن للمؤتمر تأثيرا كبيرا يضر بالقضية الفلسطينية دوليًّا وعربيًّا، ويشجع دولًا عديدة على التطبيع مع (إسرائيل).
تنازل واستسلام
السفير الفلسطيني السابق د. ربحي حلول يقول: "للأسف؛ الجديد في خطاب عباس هو إصراره على نهج الاستسلام الذي سلكه منذ عقود طويلة، وإصراره على المفاوضات"، مشيرًا إلى أن عباس قدم في خطاب أمام المجلس إقرارات غير مسبوقة بقوله: "إن أرض فلسطين متنازع عليها"، وصدور هكذا تصريحات من مسؤول فلسطيني "يُعد خيانة".
واستغرب حلوم حديث عباس عن مكافحة "الإرهاب" رغم أن مقاومة الاحتلال واجب شرعي وديني وأخلاقي، وبذلك هو يقدم خدمة كبيرة لصفقة ترامب، وهذا له دلالة بأنه ذاهب إلى التنازل مترًا مترًا عن فلسطين حتى يتخلى عنها، ولن يسمح بأي مقاومة فعلية لمواجه الاحتلال.
وحول إن كان لمضمون الخطاب تأثير على السياسة الدولية، رد حلوم: "ما حمله خطاب عباس ليس فيه من الدبلوماسية شيء، لأن الشرعية الدولية هي التي أقرت حق الشعوب بمقاومة الاحتلال، والشرعية ذاتها أصدرت قرارات كثيرة تعطي الشعوب المحتلة حق تقرير مصيرها بشتى أنواع المقاومة بما فيها المسلحة، يأتي عباس ليتخلى عن هذا الحق الدولي ويتنكر كذلك لحق شعبه فيه".
وعن التراجع عن مشروع قرار إدانة صفقة "ترامب"، استغرب حلوم سبب التخلي عن اللغة التي كان يقدم بها مشروع قرار إدانة صفقة "ترامب" بمجلس الأمن، وشطب إدانة الصفقة، متسائلا: "فما الذي تبقى غير الاستعداد للمزيد من التنازلات والهرولة خلف المفاوضات".
تكرار لخطابات سابقة
في حين يرى الكاتب والمحلل السياسي راسم عبيدات، أن الاحتلال يستفيد من خطاب عباس في تثبيت رؤيته، خاصة مع هبوط سقف المطالب الفلسطينية، وتأكيد المسؤولين الإسرائيليين بعدم قابلية تطبيق حل دولتين، كما لا يؤمنون بحق الفلسطينيين في دولة فلسطينية ذات سيادة.
ويعتقد عبيدات بأنه بات واجبًا على عباس الذهاب عمليًّا لتبني سياسة جديدة، وعلى المجتمع الدولي تحمل النتائج المترتبة على ذلك، وتحييد "اللغة الهابطة" التي تشجع الاحتلال على التغول على حقوق الفلسطينيين.
ولفت إلى أن عباس يعتقد أنه إذا ما جرى التخلص من نتنياهو، فإن الشخصية الإسرائيلية القادمة ستحقق جزءًا من المطالب الفلسطينية، ولا يدرك أن زعيم حزب "أزرق أبيض" بيني غانتس سيعمل على تطبيق عملية الضم، على قاعدة أن الأحزاب الإسرائيلية تتقاطع في ثلاثة أمور: لا دولة لفلسطين، ولا عودة للاجئين، ولا لتقسيم القدس، بالتالي لا يمكن الرهان على أي حكومة قادمة.
وبحسب عبيدات، فإن خطاب عباس تكرار لخطاباته التي ألقاها في دورات الأمم المتحدة 73، 74، 72، لا تحمل أي جديد في الرؤية الفلسطينية السياسية، "هو يعيش حالة من التيه وفقدان الاتجاه وعليه التوجه لغزة والاجتماع مع الفصائل الفلسطينية التي تمثل الظهير السياسي الأقوى له".

