رغم الحفاوة الإسرائيلية باللقاء "التاريخي" الذي جمع الزعيم السوداني عبد الفتاح البرهان مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أوغندا، لكن القراءة الإسرائيلية الموضوعية لتبعات هذا اللقاء، على أهميته، ترى أنه لا يلغي التاريخ العدائي الطويل بين البلدين، فالسودان بلد توجد فيه توجهات إسلامية قوية جدًّا، وكان إلى وقت قريب من أشد داعمي حماس، وارتبط معها بعلاقات متينة، فضلا عن اتصالاته الوثيقة مع إيران.
لم ينسَ الإسرائيليون بعد أن السودان كانت مصنفة إلى وقت قريب دولة معادية، شاركت في جميع الحروب ضد (إسرائيل)، خاصة حربي 1948 و1967، وفي السنوات الأخيرة هاجمتها طائرات إسرائيلية؛ لمنع إرسال شحنات أسلحة من سيناء إلى قطاع غزة، وهذا أمر غير مسبوق.
في الوقت ذاته، تسعى (إسرائيل) إلى استغلال طبيعة النظام العسكري الحاكم في السودان، وهو في مرحلة المفاضلة بين المحورين؛ الإيراني أو السعودي، في ظل الحرب الطاحنة بينهما، ورغبة (إسرائيل) باستغلال هذا الاستقطاب بين هاتين القوتين الإسلاميتين، لسحب السودان باتجاهها.
يبدي الإسرائيليون ارتياحهم لتزامن لقاء البرهان- نتنياهو مع إعلان صفقة القرن التي تطوي لاءات قمة الخرطوم لعام 1967، ومنها عدم التفاوض مع (إسرائيل)، ولا للسلام معها، ولا للاعتراف بها، ونسأل مع آخرين: كيف تحولت دولة اللاءات الثلاث إلى مرشحة للتطبيع مع (إسرائيل)؟
صحيح أن السودان بلد شقيق يعاني من عدم الاستقرار الداخلي، وأوضاعه الاقتصادية صعبة، وحاجته ماسة إلى مساعدات دولية، ورغبتها الجامحة بإزالة اسمه من القائمة الأمريكية للإرهاب، لكن كل ذلك لا يمكن أن يتم سوقه مبررات واهية في لقاء البرهان بنتنياهو، بزعم أن الطريق إلى واشنطن يمر بتل أبيب، وهنا تحاول الأخيرة اللعب على وتر رغبة السودان بالانتباه لمصالحه؛ كي يكون له مستقبل أفضل، وكأن ذلك لن يتم إلا بالتوجه نحو (إسرائيل)...عجبي!
الأكثر غرابة أن لقاء البرهان- نتنياهو تم قبل أن يجف الحبر الذي كتب به وزراء الخارجية العرب بيانهم المعارض لصفقة القرن، مما يجعل من هذا اللقاء إحراجا لكل من يرفض أي تطبيع للعلاقات مع (إسرائيل)، ويطرح علامات استفهام قوية حول جدية الموقف العربي الرسمي الرافض للصفقة.
يتباهى الإسرائيليون، للأسف الشديد، بأن أي اتصالات عربية إسرائيلية، ومن بينها السودان، تأتي بعد أن رفض الفلسطينيون صفقة القرن، مما يعني قبولا عربيا بالصيغة الجديدة القائمة على التواصل مع (إسرائيل)، وفي هذه الحالة غابت الفرضية القديمة التي كانت تشترط إيجاد حل للقضية الفلسطينية قبل أي علاقات عربية مع (إسرائيل)، واليوم ظهرت فرضية بديلة بموجبها فإن دولا عربية تأخذ وتعطي مع (إسرائيل) على أساس المصالح المشتركة في المجالات الاقتصادية والأمنية.