قبل ست سنوات من الآن كان محمد شخصًا اجتماعيًّا جدًّا، إلى أن مرّ بظروف صعبة وفشل في محاولة الهجرة، وخسر في تجارة ما، فتعكر مزاجه إلى حد كبير؛ ما دفع صاحبًا له بعرض عقار مخدر بغرض ما وصفه بـ"تعديل الكيف"؛ على حد اعتقاده.
أخذ محمد، الذي تتحفظ صحيفة "فلسطين" على هويته، جرعة صغيرة جدًّا بمقدار "ربع" المتعارف عليه، فنقله من التوتر والتضايق والزهق إلى مزاج معتدل، ليقرر اعتماد جرعة "ربع" المعيار مرة كل أسبوع، وتدريجيًا اعتاد عليه ليأخذه كل يومين ثم كل يوم، إلى أن أصبح يتناوله مرتين أو ثلاثة مرات في اليوم الواحد فقط.
محمد يروي أنه لم يكن راضيًا عن نفسه، لكنه لم يكن يعرف ماذا سيصنع، واستمر في تناول العقار المخدر "لتعديل مزاجه وإزالة آلامه" –على حد وصفه- ثم أخذ قرارًا بمساعدة زوجته بالذهاب إلى الطبيب والعلاج دون إخبار عائلته.
أقلع عن العقار المخدر مدة 50 يومًا، وأصيب جسده بآلام شديدة، وتعكر مزاجه تعكرًا شديدًا، ليقع فريسة لصاحبه مرة أخرى، حينما قال له باستهزاء: "هو الربع بده يرجعك؟"، فصاحبه يشكك في عودة محمد للإدمان مجددًا إن تناول ربع الجرعة مثل المرة الأولى، لكنها كما يصفها محمد أعادته ليس فقط إلى مربع الإدمان الأول، بل زادت حالته سوءًا.
فالعقار المخدر تغلغل في خلاياه وتملكه وتحكم بشخصيته، وغدت دوافع الترك أضعف وأبطأ، وسقط اجتماعيًا وبدأ محمد يقترب من انهياره أخلاقيًا، واتجه لكل الأساليب والطرق غير المشروعة على اختلاف أنواعها للحصول على المال لشراء العقار.
خمس سنوات هي العمر الذي ضاع من حياة محمد، وهو ما بين إدمان وإقلاع عن المخدر، إلى أن خسر كل شيء لديه، فقد خسر زوجته –فعائلتها ما أن عرفت بإدمانه أجبرته على تطليقها، مع أنها ساعدته أكثر من مرة في محاولات الإقلاع-، وأصدقاءه، وتضررت سمعته، وآذى أهله –لكنهم استمروا بالوقوف جانبه لكونه ابنهم-.
استمرار عائلته بالوقوف إلى جانبه، وتفهمهم أن ما يمر به محمد هو مرض يمكن علاجه ساعده مجددًا ليعود إلى الطريق الصحيح، ففي أسرته من أشار عليه بالذهاب إلى مركز فطام.
يشار إلى أن مركز فطام أنشئ في شمال قطاع غزة لعلاج المدمنين على المخدرات، وهو مكون من عدد من الأطباء المتخصصين بالطب النفسي والاجتماعي وبإشراف شرطة مكافحة المخدرات.
محمد لم يتشجع لفكرة الذهاب لمركز فطام بقوله: "مصحة ايش!"، لكونه يعتقد أن من يدخل المصحة مصاب بأمراض عقلية، لكن عائلته شرحت له الفكرة، وطوال مدة أسبوع تشاجر معهم عدة مرات إلى أن توصلوا جميعًا إلى حل وسط، أن يذهب لفطام ليراه، وبعدها يقرر هل سيدخل المصحة أم لا.
ذهب محمد إلى الطبيب النفسي، وطمأنه على سرية العلاج، ورفع معنوياته، وأعطاه حرية البقاء أو المغادرة، فدخل المصحة وشرحوا له كل ما يجب أن يعرفه واهتموا به، وتركوا له مجالاً واسعًا للحديث والتفريغ.
المشكلة التي كان يراها محمد هي فيما بعد المصحة، ففيها العلاج نسبته 70% ونفسي أكثر منه كيميائي، فبعد 16 يومًا عرضوا عليه المغادرة، لكنه رفض وأتمها 30 يومًا، لأنه وجد نفسه مستفيدًا جدًا، ويساعد شبابًا غيره، وغدا شخصًا منتجًا، ويعود لسلوكياته الجيدة، مثل عودته إلى الصلاة بعد تركها بسبب الإدمان.