فلسطين أون لاين

​هل للكتابة قدرة على التغيير؟

...
صورة تعبيرية
غزة - فاطمة أبو حية

قبل أيام، أحيا الفلسطينيون اليوم الوطني للثقافة الفلسطينية، والذي كانت وزارة الثقافة قد حددت له يوم الثالث عشر من مارس/ آذار تكريمًا لذكرى ميلاد الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش.

تعددت فعاليات الاحتفالية، وكثرت الكلمات المُلقاة بهذه المناسبة، وأكّد المتحدثون أهمية الثقافة ومكانتها ودورها وما إلى ذلك من معانٍ وعبارات معهودة في مثل هذه المناسبات، ولأن القراءة هي المصدر الأول للثقافة، نسأل عن الكتابة التي تُقدّم للقراء.. فهل بوسع الكتابة أن تغيّر في المجتمعات؟ وما مدى قدرتها على ذلك؟ وما مواصفات النص القادر على إحداث فرق؟

هي الأساس

يقول الكاتب الدكتور فايز أبو شمالة: "الكتابة عبارة عن أفكار وآراء تحاكي الواقع، وطالما أنها تحاكي الواقع فعلى الكاتب أن يختار ما يلامس حياة الناس ومشاعرهم وما يجعلهم يهتمون بما يقدمه لهم"، مضيفًا: "الكلمة محشوة بموقف أو رأي، يهتم بها الناس بقدر ما تمس احتياجاتهم".

ويتابع أبو شمالة في حديثه لـ"فلسطين": "في هذا الزمن، أصبح انتشار الكلمة المكتوبة أقل بكثير من الكلمة المسموعة والمرئية، فسابقًا كان المجال مفتوحًا أمام الكلمة المكتوبة فقط، بينما حاليًا، ومع التطور، صارت المُزاحمة من الكلمة المُعززة بالصوت والصورة".

ويبين: "الكلمة المكتوبة أصل ثابت، يُبنى عليها المسموع والمرئي، فمنذ بدأ الإنسان بالتسجيل والتوثيق، كانت الكتابة وسيلته، ولو تضاءل الإقبال عليها بشكلها الأصلي فهي قائمة وموجودة ولها تأثير بالغ، بدليل أن الحكومات تحارب الكلمة، وكثير من أصحاب المواقف يحرصون على تعزيز مواقفهم وآرائهم بالكلمة".

ومن وجهة نظر أبو شمالة، فمواقع التواصل الاجتماعي أعادت للكلمة المكتوبة جزءًا من انتشارها السابق، لأن ما يريده أغلب الناس هو الكتابات القصيرة والخفيفة وليس المطولة، ومواقع التواصل تقدم الكتابة بهذا الشكل، ومن هنا بدأت الكلمة المكتوبة تسترد حضورها وكأنها تزيح جانبا المسموع والمرئي لأنها أسرع منهما في الوصول".

وكي يجعل الكاتب كتاباته أكثر قدرة على التأثير في الناس والتغيير في المجتمع، فثمّة مواصفات لا بد من توفّرها في نصوصه، وهي بحسب أبو شمالة: المصداقية، وملاءمة حياة الناس، والبلاغة في الاختصار، والمعاني الكثيرة في الكلمات القليلة، والعاطفة الصادقة، واستخدام التعابير الرشيقة.

الاجتماعية غير النمطية

من جانبها، ترى الكاتبة أمل يونس أن مدى التأثر بالقراءة يرجع إلى نوعية المجتمع، ونفسية القراء، واستعدادهم لاستقبال ما يقرؤونه والعمل به، لافتةً إلى أنها من رصدها لانتشار ما تكتبه من مقالات لحظت أن القراء يحرصون على متابعة الكتابات ويتأثرون بها وفقًا لدرجة ملامستها لحياتهم.

وتقول لـ"فلسطين": "انتشار النص يتوقف على عدّة عوامل، أهمها مدى ملامسة الموضوع للمجتمع، وأن يطرح مشكلاته ويسبر أغواره ويناقش التفاصيل التي لا يكثر الحديث عنها، لا أن يكون تقليديًا في الطرح ومكتفيًا بالتطرق إلى الأساسات الظاهرة المطروحة في معظم الكتابات، إضافة إلى ضرورة أن يكون جميلًا ومشوّقًا في أسلوب كتابته".

وتضيف: "القرّاء ملّوا التقليدية في الطرح والكتابة، ويحتاجون إلى من يكتب لهم عن تفاصيل حياتهم وكيفية ممارستها والتعامل معها وعلاقته بالآخرين، ويتطرق إلى قضايا وخفايا لا يجرؤ الكل على نبشها، وبطريقة فيها خروج عن النمطية المعهودة في الكتابات".

وترى يونس أن الكتابات الاجتماعية الخارجة عن النمطية هي التي تجذب القراء أكثر من غيرها، موضحة: "تشربنا السياسة حتى النخاع، والكل يتحدث فيها، حتى الأطفال دخلت السياسة إلى نقاشاتهم، وصحيح أنها ضرورية وتساهم الكتابة عنها في إصلاح الأبعاد العامة للمجتمع، إلا أنها لا تصلح المجتمع من داخله، بينما نحن نريد أن نصلح العلاقات بيننا، لذا فالتطوير والتنمية البشرية والعلاقات الاجتماعية هي القضايا الأكثر جذبًا للقرّاء".