قتل خمسة جنود أتراك في قصف مدفعي شنته قوات النظام في شمال غرب سوريا في تصعيد مستمر بين الطرفين منذ أسبوع، في وقت تواصل دمشق بدعم روسي هجومها في المنطقة والذي دفع بنحو 700 ألف شخص للنزوح.
ويخشى أن يؤدي التصعيد بين أنقرة ودمشق إلى تدهور أكبر للوضع المضطرب في إدلب، حيث بدأت قوات النظام بدعم روسي في كانون الأول/ديسمبر هجوماً واسعاً في مناطق تسيطر عليها هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) وفصائل معارضة أخرى أقل نفوذاً، وتؤوي ثلاثة ملايين شخص، نحو نصفهم من النازحين.
وأفادت شبكة "ان تي في" التركية الإثنين نقلاً عن وزارة الدفاع عن مقتل خمسة جنود أتراك وإصابة خمسة آخرين في قصف مدفعي استهدف مواقعهم في محافظة إدلب، مشيرة إلى أن القوات التركية ردت على مصادر النيران.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان أن قوات النظام استهدفت القوات التركية المتمركزة في مطار تفتناز العسكري في ريف إدلب الشرقي.
ويأتي ذلك بعد مرور أسبوع على تبادل لإطلاق النار بين الطرفين في إدلب، ما أوقع ثمانية قتلى أتراك بينهم خمسة عسكريين، فضلاً عن 13 عنصراً من القوات السورية.
وأرسلت تركيا منذ ذلك الحين تعزيزات عسكرية ضخمة من مئات الآليات إلى المنطقة. وانتشرت القوات التركية في نقاط عدة، أبرها مطار تفتناز.
وشاهد مراسل وكالة الصحافة الفرنسية اليوم الإثنين تعزيزات تركية من جنود وآليات تتمركز في قرية قميناس جنوب شرق إدلب.
وبموجب اتفاق روسي تركي يعود للعام 2018، تنشر تركيا أساساً 12 نقطة مراقبة في المنطقة، باتت ثلاثة منها على الأقل محاصرة من قبل قوات النظام.
وحذر وزير الدفاع التركي خلوصي أكار في مقابلة نشرت الأحد دمشق. وقال "نقول في كل مناسبة +لا تضغطوا علينا، وإلا فخطتنا الثانية وخطتنا الثالثة جاهزتان".
ولم يعط الوزير تفاصيل حول الخطتين، لكنه أشار إلى العمليات العسكرية التي نفذتها أنقرة في سوريا منذ العام 2016، مستهدفة بشكل أساسي المقاتلين الأكراد.
وفي الخامس من شباط/فبراير، أمهل الرئيس رجب طيب اردوغان دمشق حتى نهاية الشهر لسحب قواتها من محيط نقاط المراقبة التركية.
إلا أن قوات النظام واصلت عملياتها. وأكد الجيش السوري في بيان الأحد أن "محاولات الدول الداعمة للإرهاب لن تفلح في الحد من الانهيار المتزايد في صفوف تلك التنظيمات الإرهابية".
700 ألف نازح
ومنذ سيطرة الفصائل المسلحة على كامل إدلب في العام 2015، تصعّد قوات النظام بدعم روسي قصفها للمحافظة أو تشنّ هجمات برية قضمت خلالها مناطق عدة على مراحل.
ودفع الهجوم الأخير منذ بداية كانون الأول/ديسبمر بـ689 ألف شخص للنزوح من محافظتي إدلب وحلب، وفق الأمم المتحدة.
وقال المتحدث الإقليمي باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة ديفيد سوانسون لفرانس برس "يزداد عدد النازحين اليوم بشكل يخرج عن السيطرة".
وأضاف أن "بلدات عدة باتت فارغة مع ارتفاع عدد الفارين باتجاه مناطق تُعد أكثر أمناً شمالاً"، إلا أن تلك المناطق أيضاً "تتقلص تدريجياً مع التقدم الميداني المستمر في مواجهة القوات المعارضة".
وتعدّ موجة النزوح الأخيرة من بين الأكبر منذ اندلاع النزاع العام 2011. وهي وفق سوانسون "تفاقم الوضع الإنساني السيء أساساً" منذ نزوح أكثر من 400 ألف شخص منذ نهاية نيسان/أبريل حتى نهاية آب/أغسطس جراء حملة عسكرية مماثلة لدمشق بدعم من موسكو في تلك الفترة.
وحذرت منظمات إنسانية دولية من "كارثة إنسانية" جراء موجة النزوح الضخمة.
وتزداد معاناة النازحين مع إنخفاض حاد في درجات الحرارة. ولجأ الجزء الأكبر منهم إلى مناطق مكتظة أساساً بالمخيمات قرب الحدود التركية في شمال إدلب، لم يجد كثر خيم تؤويهم أو حتى منازل للإيجار، واضطروا إلى البقاء في العراء أو في سياراتهم أو في أبنية مهجورة قيد الإنشاء.
وأسفر الهجوم أيضاً منذ كانون الاول/ديسمبر عن مقتل أكثر من 350 مدنياً، وفق حصيلة للمرصد السوري.
وقتل تسعة مدنيين، بينهم ستة أطفال، ليل الأحد الإثنين في غارات قال المرصد إن طائرات روسية شنتها في أبين سمعان "المكتظة بالنازحين" في ريف حلب الغربي.
وشاهد مصور لفرانس برس عناصر من الدفاع المدني يبحثون وسط الظلام عن ضحايا تحت أنقاض مبنى مدمر.
وتأتي الغارات غداة مقتل 20 مدنياً في قصف روسي وسوري في محافظتي إدلب وحلب.
طريق حلب دمشق
ومنذ كانون الأول/ديسمبر، تركز هجوم قوات النظام على ريف إدلب الجنوبي والجنوبي الشرقي ثم على ريف حلب الجنوبي الغربي المجاور، حيث يمر الطريق الدولي "إم 5" الذي يصل مدينة حلب بالعاصمة دمشق، ويعبر مدناً رئيسية عدة من حماة وحمص وصولاً إلى الحدود الجنوبية مع الأردن.
وسيطرت قوات النظام على عشرات القرى والبلدات، أبرزها مدينتي معرة النعمان ثم سراقب في ريف إدلب الجنوبي الشرقي.
وفي نهاية الشهر الماضي، قال مصدر عسكري سوري لصحافيين بينهم فريق فرانس برس "يسعى الجيش السوري لتأمين كامل الطريق الدولي".
واستعادت قوات النظام الأسبوع الماضي كامل الجزء من الطريق الذي يمر من محافظة إدلب، وتركز منذ ذلك الحين عملياتها على ريف حلب الجنوبي الغربي، وبات كيلومتران فقط يفصلانها عن السيطرة على الطريق بالكامل.
وباتت هيئة تحرير الشام والفصائل، بحسب المرصد، تسيطر على 52 في المئة فقط من محافظة إدلب وأجزاء من المحافظات الثلاث المحاذية لها، حلب وحماة واللاذقية.