يقول الشاعر:
في كل يوم بيننا دم كرمة - لك توبة من توبة من سفكه
والصدق من شيم الكرام - فقل لنا أمن الشراب تتوب أم من تركه؟
هذان البيتان يلخصان سياسة محمود عباس فيما يتعلق بموضوع وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال وتركه، والعودة إلى القيم الوطنية التي أفسدها الاحتلال من ناحية، وتنسيق عباس معه من ناحية أخرى. البيتان للمتنبي الشاعر العباسي الشهير، الذي وصف شعره بالحكمة والفلسفة وعمق المعاني. المتنبي يقولهما في رجل يكثر من شرب الخمر، وكلما نهره الناهرون، يعلن توبته أمامهم، ثم يعود مرة أخرى للخمر، وهكذا دواليك، مما أوقع المتنبي في الحيرة، فقال له: أأنت تتوب حين تتوب من شرب الخمر، أم تتوب من تركه؟!
سلطة أوسلو تعلن توبتها من التنسيق الأمني، ثم تعود إليه، حتى احتار الشعب في هذه السلطة كما احتار المتنبي في شارب الخمر التائب العائد إليه. حتى إن جامعة الدول العربية سألت عباس في اجتماعها الأخير عن معنى وقف المعاملات الأمنية مع الاحتلال؟! في حين هو الذي يذكر مفتخرًا عن التعاون الأمني لأجهزة السلطة مع المخابرات الأمريكية، وأنها قدمت معلومات للإسرائيليين لم يقدمها أحد لهم؟! (بطل يا واد؟!)
عباس في سياسته هذه كشارب الخمر هذا في زمن المتنبي، والشعب الفلسطيني كالمتنبي حائر لا يعرف ما الذي يتوب عنه هذا الزعيم، ونحن لا نعرف عن أي شيء يتوب أو يتراجع عباس، وهو يخبر أجهزته بضرورة مواصلة إجهاض العمليات الساخنة ضد الاحتلال وضد المستوطنين؟! هو يطلب منها رفع اليد الثقيلة قليلًا عن المظاهرات الشعبية، مع إحباط العمليات المتكتة؟!
في اليوم التالي لإعلان ترامب حضرت وزيرة المخابرات الأميركية لرام الله، واجتمعت مع ماجد فرج، الذي أخبرها قرار الرئيس بمواصلة التعاون الاستخباري. لذا ذكر عباس تعاونه مع المخابرات الأميركية، بعد أيام في جامعة الدول العربية لتأكيد ما قاله ماجد فرج. عباس قال هذا في جامعة العرب دون خجل، أو خشية لائم؟!
إنه إذا لم يمتنع عباس وبطانته عن سياسة شارب الخمر، فلن نصدق مزاعمه بأنه يحارب صفقة القرن، لا سيما وأن أصواتًا قوية تتهمه بأنه كان جزءًا منها. وأصوات أخرى تقول إن صفقة القرن لا تبعد كثيرًا عن وثيقته مع يوسي بيلين. على عباس أن يتوب توبة صادقة، لا كتوبة شارب الخمر آنف الذكر، ويخرج من أوسلو. إن إمساكه بالعصا من منتصفها كعادته، ومواصلة قمع المقاومة، هو في صالح تطبيق إسرائيل لصفقة القرن. إن مصداقية عباس في رفض الصفقة يرتبط بما يفعل، لا بما يقول؟!
صفقة القرن لن تمرّ، ولكن الشعب هو من سيمنع مرورها وتطبيقها. أما عباس فلا يملك ذلك المنع بسياسته الانهزامية التي لا تؤمن بقوة الشعب، وبإرادة المقاومة وفعلها. يمكن لعباس أن يطوف العالم كله بحثًا عن مؤيدين لرفض صفقة القرن، إن كان هو صادقًا في رفضه، ولكن كل المؤيدين مجتمعين لا يزنون موقف الشعب الفلسطيني الرافض لها، إذا ما تخلى عباس وأجهزته عن قمع الإرادة الشعبية. مجلس الأمن فيه دولة المصدر التي أخرجت الصفقة، وهو جاهز مكبل بفيتو أميركا، ولا يتوقع أحد منه قرارًا منصفًا؟! والذهاب إليه كعدم الذهاب؟!