حدث ما حدث في رام الله؛ وانتهى ما كان؛ لكنه ترك عبرًا كثيرة، وعدة أسئلة تخص الحالة الفلسطينية؛ لعل من أهمها السؤال: إلى أين نحن ذاهبون، في ظل حالة التيه، والعجز غير المبرر، وعدم استثمار الطاقات الفلسطينية الخلاقة؛ بعدما كان يفترض من اتفاقية "أوسلو" أن تقيم دولة بنهاية عام 1999.
حالة الاختلاف هي نتاج طبيعي في كل شيء خلقه الله في الكون، ولا يصح نكرانها؛ فالإنسان والفرد منا؛ قد يختلف مع نفسه، ويسأل في داخل نفسه: لو عملت كذا كان أفضل، ولو تركت كذا ولم أفعله كان أفضل، وهكذا دواليك، ليعمر الكون وتسير الحياة بسلاسة ورتابة؛ شاء من شاء، وأبى من أبى.
لا يصح التمسك بطريقة واحدة للعمل في الحياة المضطربة، فالحياة كلها تناقضات، وأحداث متجددة ومتغيرة، وما كان يصلح في مرحلة معينة لا يصلح لجميع المراحل وفي كل الأوقات، وإلا لاختفى وانتهى كل صاحب فكرة جيدة، وكل أصحاب التحرير والانعتاق من العبودية؛ ولاختفى تطور الإنسان نحو الأفضل.
بالنسبة لبعض صناع القرار الفلسطيني؛ يدور سؤال صعب في عقولهم: ما هو ثمن قلب الطاولة, وترك الاحتلال يدير شؤون من هم واقعون تحت احتلاله؟! فبنظرهم فإن الوقت لم ينضج بعد لقلب الطاولة، لظروف يبررونها تتعلق بالحالة الفلسطينية، واحتلال ماكر لا يترك وسيلة ضغط إلا ويستخدمها ويبتز الفلسطينيين فيها.
يصعب على البعض؛ وصف أية جهة بعبارات التخوين والعمالة لأنها تسير بالجميع نحو الفوضى؛ سواء من أيد والتزم "بأوسلو" ودفع استحقاقه، أو من عارض ودفع ثمن معارضته للاتفاقيات، والمنطق يقول إن برنامجين في الساحة الفلسطينية يتصارعان، ويحاول كل منهما إثبات صحة نهجة وطريقته وأنه الأجدر بقيادة السفينة لبر الأمان.
ثبت أن برنامج المفاوضات؛ لم يعطِ دولة طيلة 23 عامًا التي كان من المفترض أن تكون خمس سنوات فقط، ولم يحقق شيئًا من أهدافه المعلنة؛ بل حول الضفة لدولة خاصة للمستوطنين تعج بهم؛ بالمقابل ثبت أن برنامج المقاومة استطاع أن يطرد الاحتلال خارج غزة، وأن يهدم شارون 20 مستوطنة، قال عنها يومًا إنها مثل تل الربيع "تل أبيب" ولا انسحاب منها؛ وهكذا لم تكن التضحيات بالمجان.
ما حصل في رام الله؛ هو كما يبدو نتاج حالة مخاض للمرحلة الجديدة؛ التي تضغط باتجاه الإجابة عن أسئلة مشروعة ومنطقية، من قبل الشعب الفلسطيني لصانع القرار، فالاحتلال يستنزف الضفة الغربية، وقريبًا سيضم مناطق شاسعة لكيانه، وينهي حلم الدولة، ولم يعد يجدي ترحيل الأزمات والمعضلات، وتأجيل حلها، وعدم الإجابة عن أسئلة حساسة؛ ترسم المستقبل للشعب الفلسطيني؛ نحو الحرية والتطور والازدهار.
أكبر نتيجة خرجت بها أحداث ومسيرة رام الله؛ هي أن الوقت ينفذ سريعًا، والزمن لا يلتفت ولا يرجع للخلف، ولا بد من برنامج وطني موحد جديد للجميع، وما عادت الأدوات القديمة تصلح للمرحلة الجديدة، وحان الوقت لقلب الطاولة، قبل نقل السفارة، وقبل ضم الضفة، وقبل فقدان ما تبقى من طاقات الشعب الخلاقة، وبصيص أمل؛ فهل يفعلها هذه المرة صناع القرار، لننتظر ونرى قراراتهم؟!