يريد الاحتلال منا شعبا نائما مخدرا لا حول له ولا قوة، إلا لما يريده لنا: أن ننبعث صباحا إلى ورشاته ومصانعه، ثم نعود أدراجنا إلى مزرعة تفريخ الأيدي العاملة والخادمة لدولة الاشراف هذه، فقط يتصور الشعب الفلسطيني المزرعة الخلفية لعجلته الاقتصادية، يجيد تنفيذ الأوامر وإنجاز المهام الوضيعة التي تأنف منها طبقة الأشراف المتمثلة بالمجتمع الاسرائيلي ، فقط الفلسطيني هو حمار الشغل عندهم أو ممكن أن يكون جاسوسا لهم ، فهم يعتبرون " الجوييم" الاغيار أي غير اليهودي، يجب ان يكونوا خدما لهم وفي القرآن لفظ "الاميين" ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الاميين سبيل" أي لهم أن يفعلوا ما شاؤوا ويستخدموا الفلسطيني الاستخدام الذي يحلو لهم كيفما شاؤوا. لا إرادة تحرّك الفلسطيني الا ما يريده المحتل. يجب أن تتحرّك إرادتك لتوقظك من صراير الصبح لتذهب في خدمة سيدك الخواجا وهو يغدق عليك لتمارس تفريخ المزيد من الايدي العاملة عند عودتك من ورشتهم الى فرشتك على المقولة التي سادت منذ عرفنا هذا الاحتلال :" من الورشة الى الفرشة"، ولقد قال لي احد محققي المسكوبية المخضرمين : كنتم في نعيم تعملون بورشاتنا وتعودون الى بيوتكم سعداء، تريدون انتفاضة فجنيتم على أنفسكم، هكذا يتصورون الفلسطيني بلا كرامة ولا وطن ولا سيادة ولا حرية، مجرد عبد خادم توفر له متطلبات الاكل والشرب والنوم وانتاج المزيد من الخدم والعبيد.
ارادة صلاة الفجر تقول إن الفلسطيني في حياته شيء آخر، إرادة هذا الانسان تحركه لتحقيق ذاته الحرّة الكريمة، عندما انتفض انتفاضته العارمة التي دخلت المصطلح العالمي لتحرر الشعوب، كان فتيلها دهس مجموعة من العمال في عيون قارة لتلتهب الامور ولتسري في العروق الفلسطينية الدماء الحرّة الابية التي ترفض الاحتلال جملة وتفصيلا ومهما كان الثمن، المال والعمل والفرشة والورشة أصبحت في خبر كان بين عشية وضحاها وأصبح الهمّ العام التحرر من هذا الاحتلال البغيض.
إرادة هذا الانسان الفلسطيني قد تتوجه باكرا الى غير ورشة الاحتلال وحواجزه النكدة، إنها تعلن بكل وضوح أنها تبكّر للصلاة لتتطهّر من رجس الشيطان والمتمثل في بلادها بالاحتلال، تعلن البراءة منه ومن نظرته الاستعلائية المستكبرة ومن إرادته للفلسطيني التي لا ترتفع عن سقف الورشة والفرشة والعبودية الرخيصة لجبلة بشرية نكدة مجرمة ، يقف الفلسطيني باكرا بين يدي ربّه ليعلن البراءة من كل الارباب المتسلطين على رقبته، يقف بين يدي رب رحيم ليتحرّر من غطرسة شيطان رجيم يريد منه أن يكون عبدا بلا كرامة ولا سيادة.
فجرا تستبدل الارادة الفلسطينية المسجد بدل ورشات العبودية لتقف مبتهلة : " إياك نعبد " فتتحرر بذلك من كل المستعبدين والمستخدمين والمستحمرين لنا ، هكذا دفعة واحدة نتحرر من غطرسة احتلال ومن هيمنة أمريكية تملي علينا ما تريد ، يا رب نحن عبادك ولا نعبد سواك ، لن نمكن أحدا من رقابنا ، لن نرضى الدنيّة في ديننا، لن نذل ولن نهون ولن نرضى ان يستعلي علينا أحد ، ربنا عندما نعلن عبوديتنا الخالصة لك فإننا لن نعترف باحتلال وسننظر الى كل من يمد يدا له ذليلا حقيرا لا يساوي جناح بعوضة، يا ربنا نحن الاقوياء بك لأننا " وإياك نستعين " لن نرضى بالاستضعاف لأننا بك نستعين فأي غطرسة قرن ستنال بمن يلوذ الى ربه ومولاه مبكرا واي احتلال سيهنأ بمقام في ديارنا, طالما نحن نستعين بك ولا نرى في أنفسنا عبادا لأحد سواك ؟؟
ارادة صلاة الفجر وما تثوّره من معاني الحرية والإباء والمنعة والقوة النفسية أوسع من أن يحتويها مقال، على محك حرية شعب ستكون شرارة تفجر بركان الايمان في صدور رواد هذه الصلاة، لن يقف من يعلن انحيازه للذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء مكتوفو الايدي أمام المغضوب عليهم وهو يبدأ يومه باكرا بالتبرؤ منهم ويستمر على ذلك في جميع صلواته .
إرادة صلاة الفجر فينا ثورة بدايتها قلب مترع بالحرية ونهايتها كنس للاحتلال وانهيار لكل السقوف المنخفضة التي يحاولون حشرنا فيها، بدءا من أوسلو وانتهاء بما يسمونه صفقة القرن .