فلسطين أون لاين

"أُمِّيان" غزيّان يجدان ملاذًا في الدراسة بعد انقطاع

...
التعليم-حق-للجميع1.jpg
غزة- هدى الدلو:

"بابا درسني" كأنما كانت هذه العبارة "كفًّا" صفعت محمود الصليبي (38 عامًا) وهزت أعماقه هزًّا، فهو شخص "أمي" لا يعرف "فك الحرف" فكيف له أن يواجه صغيره بهذه الحقيقة المرة؟!

هذا الموقف الصغير الكبير في نفسه مر عليه 10 أعوام، ولكن لا يزال يذكره وكأنه أمس، فقد أيقظه من غفلة مر عليها 19 عامًا، فقد ترك التعليم ومقاعده وهو في الصف الرابع الابتدائي.

ومحمود ليس الوحيد، الذي عاد إلى مقاعد الدراسة بعد مرور وقت طويل، فهناك كثير غيره سلكوا طريق العلم وودعوا الأمية.

يقول الصليبي، الذي يقطن في مخيم الشاطئ غرب غزة: "عندما تركت التعليم لم أكن مدركًا أهميته، كل ما في الأمر أنه كان يعني لي أنه عبء عليّ، ويسرقني من وقت لعبي ومرحي".

الظروف الاقتصادية الصعبة لعائلته المكونة من 12 فردًا هيأت له ما كان يرنو له، ترك مقاعد الدراسة، واللجوء إلى العمل لمساعدة والده.

يتابع: "لم يقف أحد في طريقي ويوعيني أهمية التعليم، وينهاني عن قراري، فحملت لقب أميّ لا أعرف القراءة ولا الكتابة".

لكن صغيره الذي طلب منه أن يدرسه لامتحانه أيقظه من "غفلته"، ليتسلل الخجل إلى نفسه، والخجل من طفله، يقول: "مش حلوة بحقي عندما يسألني صغيري عن شيء في كتابه لا أعرف أن أجيبه".

قرر الصليبي العودة إلى الدراسة، مهما كلفه الأمر، وكان حينها يبلغ من العمر 28 عامًا، ليحصل على شهادة الصف السادس، وألحقها بشهادة الصف الثالث الإعدادي، وفي العام الماضي كان اسمه ضمن الملتحقين بالثانوية العامة، ولكن الظروف حالت دون حصوله عليها، ويعمل للحصول عليها في العام الحالي.

"لا يمكن المقارنة بين محمود زمان ومحمود الآن، فأكبر نعمة أني أصبحت أعرف كيف أقرأ القرآن، خاصة بعد حصولي على دورة عليا في أحكام التلاوة والتجويد" يواصل حديثه.

بعد عودته للدراسة والتحاقه بمحو الأمية، لم يتركه الناس وشأنه، وسمع كثيرًا من التعليقات: "بعد ما شاب ودوه الكتاب"، ولكن ثقته بنفسه وقتها هي ما جعلته يكمل الطريق الذي بدأه: "ليس عيبًا، العيب أن أبقى جاهلًا، ولو ضايل يوم في عمري راح أتعلم".

لم يخجل الصليبي عندما بدأ طريقه في التعلم ويجلس يُحرف الكلمات، ويقطعها كما كان يفعل صغيره في الصف الأول.

ولو أراد أحد من أبنائه تكرار فعلته، فإنه يرفض رفضًا تامًّا، فـ"التعليم سلاح الإنسان أينما ذهب"، وفق حديثه.

"العلم هو الحياة"

من جهته نصح كمال بدرية (36 عامًا) الشباب بألا يتركوا مقاعد الدراسة تحت أي ظرف، فالانقطاع يسبب صعوبة في الاستدراك، ويشكل خطرًا على الإنسان، والعلم في الصغر كالنقش على الحجر.

في سن 25 عامًا، التحق بمراكز محو الأمية للحصول على شهادة الصف السادس ثم التاسع، ليلحقها بالثانوية العامة وحصل فيها على معدل 63%، وبعدها بكالوريوس تخصص القراءات العشر المتواترة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وقد حصل على الإجازة في السند، ويعمل حاليًّا مدرسًا للتربية الإسلامية في مدرسة خبيب بن عدي.

يقول بدرية: "ابتعادي عن التعليم جعلني غير متعمق في المجتمع، ولكن عندما سلكتُ دروبه وجدتُ أنه ضرورة لا يمكن العيش دونه، فالعلم يبني بيوتًا لا عماد لها، والجهل يهدم بيوت العز والكرم".

وعن شعوره لدى عودته لمقاعد الدراسة يتحدث: "لقد كنت أدرس بشغف وحب ومشتاق للدراسة، وأطمح إلى إكمال دراسات عليا"، ولم يخجل من عودته للدراسة، فالذي يريد العلم لا يستحيي حتى لو كان في سن كبيرة، فقد كان بدرية يجلس مع طلاب صغار في السن، ولكن لا بأس من أجل التعلم والقدرة على خوض التجارب والتعمق في الحياة.

أصبح بدرية من المعارضين لترك الدراسة من أجل العمل، فأقل ما فيها هو الحصول على شهادة الثانوية العامة.

وكان المدير العام للتعليم العام في وزارة التربية والتعليم د. محمد صيام توقع، في حديث سابق إلى صحيفة "فلسطين"، أن تصل نسبة الأمية في قطاع غزة إلى صفر%، معبرًا عن فخره بتسجيل الضفة والقطاع أعلى نسب العالم في التعليم التي بلغت 97%، وأقل نسبة أمية في الدول العربية.