فلسطين أون لاين

واقع الضفة بعد إعلان الصفقة

ما إن أعلنت الإدارة الأمريكية عن صفقة القرن حتى صارت المسيرات الشعبية والمواجهات في الضفة الغربية حدثا يوميا، وإن كان ليس بالمستوى المطلوب قياسا مع حجم خطورة الحدث وانعكاساته المدمرة على القضية الفلسطينية.

بديهيا من يمسك بزمام الأمور في الضفة الغربية هي حركة "فتح"، بعكس حماس التي تمسك بزمام الأمور في غزة، وهي -أي حركة فتح- صاحبة القرار أيا كان بالضفة لعوامل كثيرة يطول شرحها، فهي من تقرر الخطوات – سواء سلمية أم عنيفة - للرد على "صفقة القرن"، وبتنا نراها يوميا وهي تسير المسيرات والمظاهرات وتنظم الاعتصامات في مختلف مناطق الضفة وتشن حملات مقاطعة لمنتجات الاحتلال وغيرها من الخطوات والفعاليات، التي تتخذ طابعا سلميا غير عنيف.

قد يكون الاحتلال قد خطط للتخلص من غزة – إعادة انتشار - بعزلها وحصارها، كما هو حالها الآن من حصار وتضييق وخناق، وجعل الضفة الغربية الأكثر حساسية وخطورة كما هي الآن من تهويد وتغول استيطاني مهيَّأة للضم في كل لحظة، وقد يفعلها "نتنياهو" في حال رأى أن استطلاعات الرأي ليست لصالحه في الانتخابات بعد شهر من الآن، لكن ما غاب عن الاحتلال وما لم يخطط له، أن غزة امتلكت صواريخ تدك "تل أبيب" وكل بقعة محتلة، وما عاد يقدر على دخولها إلا بثمن لا يقدر على دفعه، فاستعصت عليه، وتضربه غزة متى أرادت، وهذا بحسب مفكري ومحللي الاحتلال أنفسهم.

سياسيا ترى حركة "فتح" أن "صفقة القرن" لم تبقِ شيئا لها من برنامجها السياسي لإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الـ 67، فراحت تتوجه للعرب واستصدرت منهم قرارا ناجحا بـ(لا لـ"صفقة القرن")، وصفه صائب عريقات بالنصر العظيم، مع أن المأمول كان أكثر من ذلك بخطوات فعلية وليس مجرد (لاءات) لصفقة القرن.

تعد صفقة القرن إنهاء تاما لاتفاقية "أوسلو"، وهي بالكلية في صالح الاحتلال، لكن بالنسبة لحركة "فتح" فإن إنهاء "أوسلو" له ثمن سياسي وميداني معقد ومكلف بالنسبة لها تدركه جيدا، وأي خطوة تصعيدية من حركة "فتح" يجب أن تكون مدروسة بعناية ودقة فائقة، وهي الآن تقف أمام لحظة تاريخية تسجل لها بمداد من ذهب إن أحسنت اتخاذ القرارات الصائبة، بعيدا عن العاطفة والارتجال والضغوط الإقليمية والدولية المتشابكة، وأهم تلك القرارات: وحدة الصف والاتفاق على برنامج وطني مقاوم موحد.

المرحلة الحساسة هذه، ترى حركة "فتح" بحسب المحللين أن الذهاب نحو الكفاح المسلح مكلف جدا، وقد قال رئيس السلطة الفلسطينية بصراحة في القاهرة قبل يومين إنه لن يتجه نحو الكفاح المسلح للرد على "صفقة القرن".

إذن ما هو المطلوب من حركة فتح في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة؟ فالتاريخ لا يكتبه سوى المنتصرين الواعين لدقة المرحلة وخطورتها.

هل ستتجه حركة فتح نحو التصعيد المتدرج مع الاحتلال دون الوصول لسلبيات انتفاضة الأقصى، وتواصل تفعيل المؤسسات الدولية من مجلس أمن وأمم متحدة ومحاكم دولية، وتواصل توجهها نحو المصالحة مع حماس وطي صفحة الانقسام؟ فكل ما سبق عوامل قوة لحركة فتح وللشعب الفلسطيني.

إن أبقت حركة "فتح" على الأدوات السابقة نفسها في مواجهة الاحتلال فإن وضع الضفة يكون قد انتهى لصالح الاحتلال من ناحية التغول الاستيطاني واستكمال المشروع الاستيطاني، ففترة الأربع سنوات – السنوات الخداعات- التي أعطيت للسلطة من خلال "صفقة القرن" تعني استكمالا للمشروع الاستيطاني الكبير والخطير.

كل فلسطين وعربي ومسلم وكل دول العالم وكل العيون تتجه وتنظر الآن لما ستتخذه حركة "فتح" من قرارات مصيرية، فإن أجادت قيادة هذه اللحظة التاريخية الفارقة، ونجحت بقيادة السفينة وأخرجتها من وسط الأمواج المظلمة والعاتية والشديدة، وكله بثمن طبعا، فسيكتب التاريخ عنها بمداد من ذهب وتقود شعبها لبر الأمان والحرية والاستقلال، وإن ارتبكت وأخفقت وأبقت على القديم الذي ثبت فشله، فهذا يعني غرق السفينة لا سمح الله.