ما زال الإسرائيليون يحتفلون بإعلان صفقة القرن الأمريكية، باعتبارها خطة أمنية سياسية لعلها الأفضل من وجهة نظر إسرائيل التي تعرض عليها في الملف الفلسطيني، مما يتطلب منها أن تقبل بها، وبكل تفاصيلها، بما في ذك البنود التي لا تبدو مريحة لها.
هذا الارتياح يسلط الضوء على جملة ملاحظات أساسية إسرائيلية على الصفقة، لعل أهمها أن الصفقة تضع حدا للتطلعات الفلسطينية لإقامة دولتهم على حدود67 وعاصمتها القدس الشرقية، وإخلاء المستوطنات، ومنح إسرائيل حق ترسيم حدودها، واعتراف أمريكي بالاحتياجات الأمنية لإسرائيل، والقدس الموحدة، وشرعية المستوطنات، وتخرج من النقاش السياسي مصطلح "الاحتلال"، وبذلك فإن صفقة القرن تحظى بإجماع معظم الطبقة السياسية الإسرائيلية.
الملاحظة الإسرائيلية الثانية أن صفقة القرن تعيد الحركة الوطنية الفلسطينية إلى نقطة البداية، فلا عودة لحدود 67، ولا عودة للاجئين، ولا استئناف للمفاوضات التي بدؤوها مع إيهود أولمرت وإيهود باراك في حقبتي ياسر عرفات ومحمود عباس، ومنها السيطرة الكاملة على ما يقارب 95% من الضفة الغربية، وإخلاء المستوطنات، والقدس مقسمة، والعودة لموضوع اللاجئين، والسيطرة على الحرم القدسي.
تتكلم الصفقة عن إقامة دولة فلسطينية فقط بعد أربع سنوات، لكن عاصمتها في القدس الشرقية، بمعنى في بعض أحيائها مثل أبو ديس وقلنديا، لكن الفلسطينيين قبل أن يحصلوا على هذه الامتيازات عليهم الالتزام بسلسلة تعهدات، وعلى رأسها الاعتراف بالدولة اليهودية.
الملاحظة الثالثة، تتعلق بقطاع غزة وحماس، فالصفقة تتحدث عن نزع سلاح الحركة، وربط غزة بالضفة عبر نفق أرضي، لكن ذلك حلم فارغ لن يتحقق، لأنه يثير سؤالا عمن سيفكك سلاحها، هذا وحده يقدم بشائر سيئة للصفقة.
أما الملاحظة الرابعة فتتعلق بالرفض الفلسطيني للصفقة، بل ومحاربتها، لكن ذلك سيسفر عن مشكلتين أساسيتين من وجهة النظر الإسرائيلية: الأولى عدم وجود دعم عربي لهذا الموقف الفلسطيني، والثانية إمكانية اندلاع مواجهات شعبية فلسطينية محدودة في الضفة الغربية، لكن من يستطيع إثارة أي توتر أمني ميداني هي حماس فقط في غزة، مما قد يقرب إسرائيل من لحظة الحسم لمستقبل القطاع.
الملاحظة الخامسة، تتعلق بمدى ضرورة الشروع في ضم غور الأردن، الآن وفورا، فقد لا يكون ذلك مفضلا لدى العديد من الإسرائيليين؛ نظرا للكثير من الأخطار المترتبة، فيما لو تم القيام بضم معاليه أدوميم أو أي من التجمعات الاستيطانية الكبرى، فستكون الأخطار أقل كلفة، وأكثر إجماعا.
الملاحظة السادسة والأخيرة تتعلق بأن كل هذه الامتيازات الإسرائيلية التي تتضمنها الصفقة لا تلغي أن أمام إسرائيل خطرين ماثلين: الأول عدم قدرة ساستها الإسرائيليين على التعامل مع التحديات الماثلة أمام الدولة، والثاني عدم انتخاب ترامب لولاية رئاسية ثانية.