برغم أن "نتنياهو" معروف بالكذب وتفننه فيه، ويتقن كل أساليب المكر والدهاء وقلب الحقائق، حتى أنه راح يتعلم من الرؤساء العرب، في كيفية تدجين شعوبهم والكذب عليهم وتضليلهم، وأصابته عدوى عشق الكراسي، لكنه صدق في جملة قالها خلال الإعلان عن صفقة القرن دون أن يدري أو يعلم ما قاله من ناحية ارتداداته وانعكاساته.
"ترامب" الرئيس الأمريكي، دعا الفلسطينيين إلى عدم تفويت الفرصة بما سماه (الفرصة التاريخية) لكي يحصلوا على دولة مستقلة، فيما تبعه "نتنياهو" وقال إنه الآن يصنع تاريخًا ويغيره بالإعلان عن صفقة القرن، وإن كيانه الغاصب أمام فرصة تاريخية لن تتكرر، ولن تحصل إلا مرة واحدة في التاريخ.
سواء صدقت التنبؤات بزوال (إسرائيل) بعد سنتين أم لم يحصل الزوال، فإن "نتنياهو" صدق عندما قال بأن التاريخ سيتغير ولحظة تاريخية، ولكن ليس كما حسب ويحسب هو والإدارة الأمريكية، فالصدق هنا والذي لم يقصده بأن التاريخ سيتغير بتغير موازين القوى، وزوال دولته المزعومة بعدما استنفدت مقومات وجودها رغم كل هذا الظاهر من الكم الكبير الخادع بقوة دولة الاحتلال وعدم قدرة العرب والمسلمين على إزالتها.
أن تختلف الأحزاب في دولة الاحتلال ولا تتفق على تشكيل حكومة، هذا يكون انهيارًا من الداخل، وأصلًا الإمبراطوريات العظيمة لم تزُل ولم تندثر إلا بعد أن انهارت من الداخل وليس بفعل قوة خارجية.
كما أنه لا يغيب عنا أن تعجل "نتنياهو" والإدارة الأمريكية وهو تعجل أغراهم به ضعف واقتتال العرب فيما بينهم وعدم "فضاوتهم" للقضية الفلسطينية، وإذا بالجماهير العربية تخرج عن بكرة أبيها وتتوحد ضد صفقة القرن بمسيرات غاضبة.
ما لم يفهمه ولم يدركه جيدًا "نتنياهو" أن موضوع القدس وفلسطين المحتلة ليس صراعًا على الكراسي بين العرب أو محاولة تغيير حكام عرب فاسدين يحتاج لسنين طويلة، بل إنه موضوع مجمع عليه بين الشعوب العربية والإسلامية وحتى الضمير العالمي، فكل حر وشريف لا يمكن له أن يؤيد احتلالًا لأرض وقتل وتهجير أهلها.
ولا يغيب عنا أن موضوع القدس هو موضوع ديني وعقائدي يتلى فيها آيات من القرآن الكريم حتى يوم الدين، تتفق فيه جميع الجماعات الإسلامية وحتى غير الإسلامية ولا تختلف فيه.
صدق "نتنياهو" من حيث لا يدري، وتعجل زوال دولته بالإعلان المتعجل والمتسرع عن صفقة القرن، ظنًّا منه أنه قد يحقق مزيدًا من الأصوات الانتخابية ويخرج من أزمته، بعد شهر من الآن تقريبًا.
صدق "نتنياهو" من حيث لا يدري فقد جعل الإعلان المبكر عن صفقة القرن يوحد القوى الفلسطينية والشعوب العربية والإسلامية وأحرج الحكام العرب، وأصلًا التاريخ لا يتغير إلا باتخاذ خطوات مصيرية وإستراتيجية، وهنا التاريخ حقيقة بدأ يتغير، والتفاؤل هو برؤية هذه المسيرات المليونية الغاضبة والتي ستترجم لاحقًا وتراكم الوعي واضطرار الحكام لمجاراة شعوبهم تحت هذا الكم الهائل من الضغط.
في المحصلة "نتنياهو" ظالم، وكيانه أنشئ بالقوة والإرهاب، وسنة الله في الأرض قضت بزوال الظالم الطارئ، و"ترامب" ومعه "نتنياهو" ظنًّا أنهما بالإعلان المتعجل عن صفقة القرن يغيران بذلك التاريخ بقوة الإرهاب والسلاح، وما علما أن من يتحدى الله في سننه الكونية يبوء بالخسران والذل والزوال "ويسألونك متى هو قل عسى أن يكون قريبًا".