أثارت زيارة وفد حركة حماس لإيران برئاسة رئيس الحركة إسماعيل هنية، ومشاركته في مراسم تشييع قاسم سليماني الكثير من اللغط والجدل حول مواقف الحركة من إيران المتّهمة بارتكاب جرائم ومذابح جمة بحق المسلمين السنة، وأطماع ايران في الهيمنة على المنطقة، واعادة فرزها مذهبيا لصالح اقامة الجمهورية الايرانية الكبرى التي تضم منطقة الخليج واليمن وبلاد الشام وربما تتوسع في أواسط آسيا.
ورغم أن علاقة حركة حماس بإيران ليست جديدة، لكنها في هذه المرحلة أخذت أبعادًا أكثر حدة، وأكثر انتقادًا ليس فقط من خصوم حماس بل ومن مؤيّديها ومن بعض كوادرها، وهو ما فتح الطريق للنقاش حول جدوى العلاقة مع إيران، وطبيعتها، وأهميتها، والثمن الذي تدفعه الحركة لاستمرار هذه العلاقة، ولماذا تتقرب حماس من إيران وتبتعد عن الدول السنية؟
الحقيقة أن علاقة حركة حماس بإيران تحكمها عدد من المنطلقات التي تجعلها تتوجه نحوها بدرجة أكبر وأوثق من غيرها في هذه المرحلة بالذات، ووسط هذه الظروف والمتغيرات فحماس تلتقي مع إيران في منطلقات أبرزها:
• تشترك حماس وإيران في مواجهة التغول الأمريكي في المنطقة واصطفافها لجانب دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين وأطماعها التوسعية في المنطقة.
• تشترك حماس وإيران في تشكيل جبهة الممانعة ضد الوجود الأمريكي والتمدد الإسرائيلي في المنطقة.
• تشترك حماس وإيران في ضرورة تحرير فلسطين والقدس من الاحتلال الإسرائيلي.
• تشترك حماس وإيران في أنهما تشكلان الواجهة الإسلامية المقاومة في المنطقة والعالم الإسلامي بعامة.
• تتجنّب حماس وإيران التوقف عند حدود الخلاف الفقهي والمذهبي لصالح المشروع الكبير المتمثل بالتصدي للنفوذ الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة.
تشكل هذه المنطلقات أرضية لكل من حماس وإيران لنسج نمط خاص من العلاقة مبني على التزامات أدبية وأخلاقية للوصول للأهداف المشتركة والمتلازمة بينهما في هذه المرحلة.
فكلا الجانبين له مصالح مرحلية في وجود وإقامة علاقات ثنائية متميزة، هي دون التحالف ولكنها أعلى من التفاهمات. فإيران تعلم جيدا أن حركة حماس تشكل قوة فاعلة ومؤثرة في المنطقة، وأنها تقف سدا منيعا في وجه العدو المشترك وهو دولة الاحتلال الاسرائيلي، وتمنع توسعه في المنطقة، وأنه من المصلحة الاستراتيجية إقامة علاقة تعاون معها، وتعزيز قوتها، كما تدرك إيران أن حماس بفضل الحروب التي خاضتها مع الاحتلال اكتسبت خبرة كافة ومهمة في التصدي له وحماية حلفائها الإقليميين في المنطقة، خصوصا حزب الله في لبنان، كما تسعى إيران من خلال احتفاظها بعلاقتها مع حماس إلى إضفاء مقبولية على صورتها لدى الشعوب السنية في المنطقة، وتعزيز دورها ومكانها كدولة صامدة في وجه الأطماع الأمريكية في المنطقة.
ومن جانبها تدرك حماس أن ما يمكنها الحصول عليه من دعم وتمويل لا يوجد من يعوضها عنه في المنطقة بما فيه الدول السنية، وأن التجربة الايرانية في ذلك اكتسبت فاعلية وتأثيرا كبيرا في تعزيز صمودها في وجه سلطات الاحتلال الإسرائيلي، كما تدرك حماس أنها تستطيع من خلال علاقتها بإيران الاحتفاظ بهامش للحركة والتحرك في المنطقة وعلى الساحة الدولية، وكسر عزلتها، وتفكيك منظومة الحصار المفروض عليها في قطاع غزة، كما تدرك حماس أن طبيعة وحجم الدعم الذي تحصل عليه من إيران لا يمكن لأحد من دول الإقليم أن يعوضها عنه.