في سباق من أكثر الناس صلفا ذكرت هذه القصة .. كان هناك يهودي يجتمع كل أحد مع أشراف بلدته لبحث قضاياها العامة، ورغم أنه كان خياطا إلا أنه كان يأتي بلباس رثّ ممزق ، فعرضوا عليه أن يصلح ثيابه على حسابهم ، فكّر وقدّر كلفة اصلاحها فيما لو قام بإصلاحها لزبون عنده فكانت ستة روابل، دفعوها له على أن يأتي الاجتماع القادم وقد أصلح ثيابه ، المفاجأة أنه قد جاء الموعد وهو على ذات الثياب دون أن يصلح شأنها، وكان المبرر أنه قد أعاد الحسبة فوجد أن الامر يكلّف أكثر من ستة روابل وأن عليهم أن يدفعوا التكلفة كاملة غير منقوصة، هنا انتهت القصة القديمة ولكنها هذه الايام قد استكملت حلقاتها وطالت جولات مفاوضاتها وتوغلوا عميقا في صلف طباعهم وعظيم أطماعهم . والمشكلة أن طلبه منهم وما أخذ يفاوضهم عليه هو لا حق له فيه لا من قريب ولا من بعيد ومع هذا مثل دور المثل " شحّاد ومشرّط " أراد أن يحقّق المزيد بما يشبع أطماعه التي لا حدود لها .
أوسلو أعطتهم مما ليس لهم حق فيه البتّة، بل من الحق الخالص للفلسطينيين، ومع هذا تهربوا من التزاماتهم وأخذوا يقضمون حق غيرهم بما أوتيت أسنانهم من قوة وخبث، توغّل استيطانهم في القدس والضفة ثم جاؤوا بعد ذلك ليقولوا للناس : لم يعد ما أعطتنا إياه اتفاقية أوسلو كافيا ، ولا داعي للتفاوض معكم من جديد، سنفاوض أنفسنا ونعلمكم بالنتيجة، نتنياهو فاوض نتنياهو ووظف ترمب ناطقا اعلاميا لهؤلاء المتفاوضين شلّة نتنياهو، فكانت هذه النتيجة التي لا تبقي ولا تذر للفلسطيني إلا خيطا وإبرة يخيط به ما يستر عورته .
ثم هذه النبرة المستعلية التي لا ترى أمامها أحد ، عندما تسميها صفقة العصر فإنك بذلك توحي بأنها فرصة العصر أي أنه لا يمكن لمخلوق أن يأتي بمثلها وقد بلغت من درجة الابداع والتميز ما بلغت ولا بدّ وأنها ستحل مشكلات المنطقة وترضي الاطراف جميعها ، وفي الحقيقة والواقع فإنها فرصة العصر للظالم أن يتمادى في حقوق الاخرين الى أبعد مدى ممكن، ثم بعد ذلك تقدمها على صعيد الفرض والالزام: "صفقة وعلى الفلسطينيين القبول بها" ، بالفعل هي غطرسة العصر حيث لم يبلغ حدّ غطرستها أحد، حتى الادارات الامريكية السابقة لم تبلغ هذا المستوى غير المسبوق، تماما كذلك اليهودي الخياط الذي يساوم في تكلفة خياطة ملابسه على حساب الاخرين .
وسيأتي يوم على طريقة اليهودي الخياط بالمزيد من المطالب ، قد يعلنون بعد سنوات من صفقة القرن مثلا ما يسمى روعة القرن فيطلبون تمويل بركات وجودهم في هذه المنطقة، إذ لو أنهم لم يعمروها لبقيت خرابا والبركات التي حلّت بالمنطقة بسببهم أكثر من أن تحصى فلا بد من أن يدفع العرب ثمن هذه البركات .
وبعد سنوات قد يأتون بمسمى جديد لهذا القرن العظيم ممكن أن يكون مثلا : عظمة القرن إذ لولاهم لما وصلنا الى هذه العظمة المربوطة بوجودهم وهذه لها ثمن وهي أن نسلمهم ما بين النيل والفرات حلالا زلالا لهم واعترافا بفضلهم الذي لولاه لما وصلت المنطقة الى هذه العظمة، ويجب أن نعترف لهم بعظمة يهودية هذه الدولة وليس فقط كما في سابقاتها يهودية الدولة فقط .
ولا شك بهذا لو جرت الرياح بما تشتهي أنفسهم فهم خير من يهتبل الفرص التاريخية ، رياح مواتية لمطامعهم الجشعة فلم لا يستغلونها أبشع استغلال. فالمسألة هي فقط مجرد سباق انتخابي بين اقطاب تعرف من أين تؤكل الكتف وتعرف كيف تصنع دعايتها الانتخابية على حسابنا .
ولكن أمريكا ليست قدرا والتمادي في الاستكبار والإمعان في الظلم ما هو الا مقدمة لتدور الدائرة عليهم كما ورد في الحديث الشريف " إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يُفلته " هذه من سنن الحياة الثابتة: " إنه لا يفلح الظالمون " والأمثلة في التاريخ المعاصر كثيرة، المهم ماذا نحن فاعلون ؟؟