تمتاز الدول المتقدمة بأنها تفتح المجال للجميع ليشارك في صياغة خطة الحياة داخل المجتمع، لأنّها تؤمن بأن الجميع يملك من الافكار والآراء ما يمكّن المجتمع من تحقيق أقصى درجات التقدم والرّقي في كافة القطاعات. والعمل الجماعي وفق مبدأ الشورى هو فلسفة اسلامية ،وقد حثنا الاسلام على اتباع مبدأ التعاون والتشارك والتشاور، على اعتبار أن الانسان مهما بلغ الكمال به فهو ناقص، وانطلاقاً مما سبق فقد حرص المسلمون الأوائل على السير وفق " وأمرهم شورى بينهم " ونجحوا في كثير من المواقف.
ويبدو أن الدول الغربية ورغم انها ليست اسلامية، فإنها تتبع المنهج القرآني الشوري، فالكل يدلي برأيه بكل اريحية، ويخدم المجتمع دون عوائق، وينظرون لاختلاف الآراء على انها نعمة تكاملية وليست نقمة تناقضية. وبعيداً عما يفترض أن يكون في بلادنا، دعونا نتحدث فيما هو موجود فيها، فإن الوصف الاقرب للدقة تجاه أغلب المؤسسات العمل الاجتماعي، هو أننا بحاجة لشراكة بنّاءة، لأن المتابع لعمل كثير من المؤسسات يشعر وكأن كل واحدة في دولة، وهذا يرجع لاختلاف المرجعيات المالية والسياسية، فبعضها يسير وفق رؤية الحزب الذي أنجبها، أو وفق رؤية الجهة المانحة والتي تشترط ما يجب أن يكون وما لا يكون، كما أن بعضها ينتهج نهج التنمية واخرى النهج الاستهلاكي.
سأتطرق لحدثين يتناولان قضية مشاركة المجتمع في صياغة خطة عمل المؤسسات العامة: الأول: مؤتمر نظمته وزارة التنمية الاجتماعية بغزة "تعزيز الشراكة الوطنية لقطاع العمل الاجتماعي شركاء من أجل التنمية"، هدف لدعوة الباحثين والمختصين لطرح أفكارهم ومقترحاتهم حول الآليات الواجب اتباعها لإحداث شراكة حقيقية بين المؤسسات العاملة في حقل العمل الاجتماعي كوسيلة للخروج من حالة الفوضى المؤسساتية، حيث تم طرح الكثير من الأفكار والتي أكد وكيل وزارة التنمية الاجتماعية على أن الوزارة ستأخذها على محمل الجد، وقد كان لي شرف المشاركة بورقة عمل فيه.
الثاني: مشاركتي في جلسة نقاش ومشاورة نظمتها دائرة التواصل مع الجمهور والتي يرأسها الدكتور وليد أبو ندى عضو المجلس البلدي مع نخب ولجان أحياء وممثلي المؤسسات المجتمعية للخروج بأفضل الافكار التي من شأنها احداث تغيير ايجابي، وهنا أتفق مع الدكتور وليد حين قال: إن أغلب المؤسسات في حالتنا الفلسطينية تعيش حالة اغتراب عن واقع المواطنين، فلا تأخذ برأيهم فيما هو كائن ولا تشجعهم على الإدلاء برأيهم فيما يجب أن يكون.
وأذكر من واقع تجربة بدأتها منذ فترة، وهي نقل أفكار الجمهور لأصحاب الاختصاص في أعلى الهرم الوزاري ، وكان التقييم لتلك التجربة انها مفيدة وغنية، وجاءتني اتصالات من بعض المسئولين تؤكد أنهم احالوا تلك الافكار للجان متخصصة لدراساتها، ثم اتصلوا بي لاحقاً للتأكيد على أنه تم تنفيذ بعض الأفكار والآخر قيد الدراسة، وهذا حدث مع رئيس بلدية رفح ، وزارة الأوقاف، والصحة ،والنائب العام وغيرهم.
أؤكد قبل وداعكم على أننا كلنا نحمل مسئولية هذا الوطن، فلنجتهد في طرح الأفكار التي من شأنها تغيير واقعنا للأحسن، لأن الوطن كالسفينة يجب أن نحميها جميعاً من الغرق، وألا نسمح لأحد أن يقودها لوحده أو يحدث بها عيباً، وأختم بطرفة معبرة "انه في اليابان توجد يافطات مكتوب عليها"" أيها الانسان فكر لتبدع "، اما في عالمنا الثالث تجد يافطة مكتوب عليها، "لا تفكر ولا تحتار،،، منتجنا هو الخيار "، الأولى دعوة لتفعيل خاصية التفكير والابتكار، والثانية دعوة لإلغائها.