غالباً ما يحاول الناس الاستفادة من مواقع التواصل الاجتماعي وفقاً لاحتياجاتهم، ومن أشكال هذه الاستفادة المجموعات التعليمية التي يرتادها طالبو علمٍ محدد، أو زملاء في مدرسة أو جامعة، أو ملتحقو ذات الدورة التدريبية، يتبادلون من خلالها معلومات تتعلق بالمحتوى العلمي الذي يجمعهم، ويتناقشون في تفاصيله، ويتحدثون عن خبراتهم فيه، ومن الطبيعي أن تضم هذه المجموعات الرجال والنساء، وهؤلاء يختلف شكل تواصلهم معاً، فمنهم من يحرص على النمط الرسمي والجاد في التواصل خوفاً من الوقوع في الاختلاط، ومنهم من لا يجد حرجاً في ذلك.
بضوابط
يقول الداعية عمر نوفل: "الأصل في التعامل أن لكلٍ من الرجل والمرأة خصوصية، ولكن كل منهما عنصر في المجتمع، ولا يمكن أن يعيش أحدهما باستقلاليةٍ تامة عن الآخر، وثمة ضوابط وضعها الإسلام للاختلاط بينهما".
ويضيف لـ"فلسطين" أن الاختلاط وردت الاشارة إليه في القرآن، وكان ذلك في الحديث عن سيدنا موسى عندما سقى للامرأتين، أي أنه حدث اختلاط رغم أنه نبي، وذلك كما في الآية القرآنية: "وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ".
ويتابع: "الآية ذاتها تدل على وجود ضوابط، أولها أن الاختلاط يجب ألا يكون مباشراً بطريقةٍ فيها تماس، وحديث زائد عن الوضع الطبيعي، وثانياً يجب أن يكون لحاجةٍ وضرورة، وأن يكون الاختلاط بقدرها، وإن لم تكن هناك حاجة فلا داعي له".
ضابط ثالث يتحدث عنه نوفل: "يجب أن يكون التعامل بين الرجل والمرأة فيه قدر من الانضباط والنمط الرسمي، بحيث لا يكون في القول أو الفعل رقةٌ من أحد الطرفين تجذب الآخر له وتحرك في نفسه شيئا"، مستدلا على ذلك بقوله تعالى: "يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا"، وقوله في موضع آخر: "وَلاَ يَضْرِبْنَ بـِأَرْجُلِهـِنَّ لِيُعْلـَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهـِنَّ".
ويشير إلى أنه من المهم عند الاختلاط عدم الانفراد، إذ يجب أن يكون ضمن مجموعة، ومن الأفضل لو كان بوجود محرم للمرأة أو للرجل، لأن وجود المحرم يردعهما عن الحديث بشكل غير لائق.
وبناء على ما سبق يوضح نوفل: "الاختلاط إن كان ضرورة فهو جائز، شريطة أن يكون مقيّدا بالضوابط التي يفرضها الشرع، لكي لا يكون مؤثرا من أحد الطرفين على الآخر".
ووفقًا لنوفل، فهذه الأحكام تنطبق أيضا على التواصل من أجل العلم ضمن المجموعات المخصصة لذلك في مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن الأمر بحاجة لمزيد من الحذر في هذه المواقع لكونها بيئة تسهل التواصل أكثر وتزيل الحواجز أحيانا.
ويبين: "من الجيد الاستفادة من هذه المواقع كوسيلة تسهّل الوصول إلى العلم والحصول عليه وتبادل الخبرات، ولكن لا بد من الانتباه إلى أنها قد تسهّل أيضاً الوقوع في الاختلاط بلا قيود، وأنها قد تتحول في بعض الأحيان من كونها جماعية إلى ثناية، وكذلك فقد يكون التواصل من خلالها في (أوقات عورة)، ليس من المناسب أن يتحدث فيها الرجل مع المرأة، كساعات الليل".