تعكس مشاركة عشرات الرؤساء والملوك والأمراء وبعض الشخصيات العالمية في ما يسمى منتدى "الهولوكوست العالمي الخامس" بمدينة القدس المحتلة، غدًا، حالة الانحياز الدولي غير المُسوَّغة للاحتلال الإسرائيلي، وعدم إنصاف الحق الفلسطيني، خاصة أن الفلسطينيين يتعرضون لمحارق وجرائم يومية ترتكب بحقهم منذ 70 عامًا.
الحضور الدولي وفق مراقبين يدلل على أن العالم يتجه نحو اليمين المتطرف، ويتعامل مع شعوب العالم بلغة المصالح لا بلغة مبادئ القانون الدولي.
وبدأ وصول زعماء من دول العالم إلى القدس المحتلة، ومن أبرزهم نائب الرئيس الأمريكي، مايك بنس، ورؤساء دول فرنسا وألمانيا وهولندا، بحسب ما ذكرت قناة "مكان" الإسرائيلية. ويُتوقع مشاركة وفود 40 دولة في هذا الحدث، الذي سيجمع وللمرة الأولى هذا العدد من زعماء العالم داخل مبنى "ياد فشيم" غربي القدس المحتلة.
ويمثل هذا الحدث طوق نجاة لقادة الاحتلال للإفلات من المحاكم الدولية. فقد ذكرت صحيفة "هآرتس" العبرية أن رئيس حكومة الاحتلال المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو يعتزم استغلال "المنتدى العالمي للمحرقة"، لتجنيد الزعماء الحاضرين في صراع (إسرائيل) ضد قرار المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، فاتو بنسودا.
ضعف السلطة
على جانب آخر، يثبت الحدث أن الاحتلال يعمل بشكل قوي على الساحة الدولية من أجل ترسيخ علاقاته معها وتغيير الحقائق بشأن القضية الفلسطينية، وفي المقابل يظهر حجم الضعف في الدبلوماسية الفلسطينية وسفارات وقنصليات السلطة المنتشرة في أرجاء العالم، بحسب الكاتب والمحلل السياسي راسم عبيدات.
وقال عبيدات لصحيفة "فلسطين": "إن مشاركة زعماء نحو 40 دولة في منتدى (الهولوكوست) يدلل أن دول العالم الغربي والقوى الاستعمارية تقف دائمًا إلى جانب دولة الاحتلال".
وأضاف أن المنتدى يدلل كذلك على ضعف الدبلوماسية الفلسطينية وانهيار النظام العربي الرسمي، فحضور دول كبرى مؤشر على أن الاحتلال يحقق نجاحات دولية.
وعن الأسباب التي تجعل هذه الدول تلبي دعوة الاحتلال، أوضح عبيدات أولًا، أن الاحتلال يعيش أزمة وجودية وحالة من الشلل السياسي، في ظل تراجع المشروع الأمريكي في المنطقة، وتعزيز قدرات محور المقاومة وبالتالي فإن حضور هذه الدول يؤكد دعمها للاحتلال في سياساته وانتهاكاته بحق الشعب الفلسطيني.
وتابع: "نحن أمام عالم ظالم يبعثر مبادئ القانون والمواثيق الدولية، ويتعامل بلغة المصالح وليس المبادئ"، مشيرا إلى أن هناك 700 قرار بالجمعية العامة للأمم المتحدة؛ و86 قرارًا أصدرها مجلس الأمن الدولي تدعم القضية الفلسطينية لكنها لم تجد طريقها للتنفيذ بسبب من يشكل حماية للاحتلال في تلك المؤسسات، ضد أي قرار أو عقوبة تتخذ بحق الاحتلال.
وبحسب عبيدات فإن السبب الثاني من هذه الفعالية سعي نتنياهو إلى تحقيق مكاسب انتخابية داخلية، أما السبب الثالث فهو ضعف السلطة وقنصلياتها المنتشرة في العالم.
وبين أن لدى السلطة 128 قنصلية في كل دول العالم، أي أكثر من دولة الاحتلال، لكنها لم تستطع تحقيق أي نجاحات رغم عدالة القضية الفلسطينية وأنه الشعب الفلسطيني مضطهد ومظلوم من الاحتلال.
ويقول إن السلطة تتعامل بردات الفعل؟، وليست لديها رؤية في التعامل مع تلك القضايا من بعد إستراتيجي كما يفعل الاحتلال.
وتابع أنه كان يجب على السلطة إرسال رسائل حادة لهؤلاء الرؤساء بأن اليهود إذا تعرضوا في يوم من الأيام لـ"الهولوكوست"، فالشعب الفلسطيني يعاني أيضًا من الاضطهاد اليومي ومحارق عديدة سببها الاحتلال.
واستدرك: "للأسف.. السلطة لم تقم بدور حقيقي لشرح أبعاد ذلك".
حضور خطير
الباحث في شؤون القدس الدكتور جمال عمرو يرى من ناحيته، أن الاحتلال جلب وفودا من 40 دولة لتجديد تحميلهم الذنب، بشأن "الهولوكوست" التي ارتكبها النازيون الألمان في الحرب العالمية الثانية، رغم أن النازيين ارتكبوا المحرقة ليس في حق اليهود فقط بل بحق كل الشعوب ومن بينها الشعوب الإسلامية.
وقال عمرو لصحيفة "فلسطين": "إن الاحتلال بدأ باستجلاب قادة العالم بعدما قالت المدعية العامة لمحكمة الجنايات الدولية، إنه يجب استجلاب قادة الاحتلال للمحكمة".
وأضاف أن العالم غض الطرف بهذا الحضور عن "الهولوكوست" الإسرائيلي الذي يمارس بحق الفلسطيني ويحرقهم على يوميًا منذ سبعين عامًا، ولم يلتفت لجرائم الاحتلال بحق اللاجئين والمقدسات من سرقة الأرض والقتل، في حين يأتي لإحياء ذكرى كارثة حدثت مع اليهود قبل ثمانين عاما، كان الأولى أن يُحتفل بها في ألمانيا.
وتابع: "كان الأجدر بالسلطة الفلسطينية وجامعة الدول العربية أن تعدا هذا الحضور الدولي عدوانا على الأراضي الفلسطيني المحتلة، وتستنكرا الهولوكوست الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، وتحثاه على مشاهدة مآسي اللاجئين بمخيمات شعفاط والعروب وقرية العيسوية، وما يحدث بمخيمات اللجوء بالشتات وقطاع غزة ومدن الضفة الغربية".
"نفاق المنظومة الرأسمالية"
في سياق متصل، أكّدت الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين، أن مشاركة عشرات الرؤساء والملوك والأمراء وبعض الشخصيات العالمية في "منتدى الهولكوست العالمي الخامس"، يدلل على "حالة نفاق المنظومة الرأسمالية مع جرائم الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني، وأن الأقطاب ذاتها تشكل معسكر العدو الاستعماري الصهيوني الرجعي".
وعدت الجبهة الشعبية في بيان صحفي أن "هذا المنتدى وغيره من محاولات الكيان الصهيوني الدائمة لاستغلال قضية (الإبادة النازية– الهولوكوست) هدفه التغطية على جرائم الإمبريالية والصهيونية بحق شعبنا الفلسطيني التي تواصل ارتكابها على مدار الساعة منذ عام 1917".
وأضافت "أن حالة الحجيج الرسمية الدولية للمشاركة في منتدى ينظمه كيان استيطاني في أرض محتلة ويُمارس أبشع الجرائم بحق شعب آخر يؤكّد تورّط هذا المعسكر في سرقة الأرض والحقوق، وتسويغ لأكبر غيتو ومستعمرة في قلب الوطن العربي عبر إقامة الكيان الصهيوني الغاصب على أرض فلسطين".