بعثت شهد لأخيها عبد المجيد الذي دخل معركة زنازين المسكوبية القاسية، رسالة قوية، مكثفة، شافية، وافية، ارتكزت على ثلاث معادلات بها يتحقق الصبر والثبات والانتصار، نهلت من معين إيماني عميق، وذهبت ببرمجة عصبية عالية، وطرقت على أهم الأوتار قوّة وحساسية لتصيب هدفها وتقوّي إرادة أخيها في هذه المعركة العاتية.
في هذه المعركة غير المتكافئة يتناوب محققون مدربون مؤهلون ويعملون فريقًا واحدًا، في مواجهة شاب ليس له من المؤهلات إلا أن ننظر في قوّة إيمانه بربّه، وصدق انتمائه لقضيته، وقوة إرادته لما تربى عليه في سياقه العائلي والاجتماعي والتربوي، إضافة إلى وعي التجربة في هذا المضمار، وهذا يجب أن يُعد علامة فارقة للفلسطيني، ذلك أنّه في تحدّ مستمر لاحتلال لا يرحم ولا يرقب فينا إلّا ولا ذمّة، وهو معرض للعدوان بمختلف أنواعه القاسية، التي منها الاعتقال وتوابعه من تحقيق وزنازين ومرابطة في خنادق الاعتقال، وهذه تحتاج منا إلى تربية أبنائنا على الخوشنة، ورفع قدراتهم على الصبر والجلد وقوة العزيمة التي تحقق الذات الثائرة القادرة على التحدّي والمواجهة.
أعود إلى المعادلات الثلاث التي برمجتها شذى بكل دقّة وبراعة:
- ذكّرت بالعلاقة المتينة مع الله، وأنه قد ارتضى لنفسه واختار لها أن يكون في سبيل الله، وهذا له ثمنه، وهو أن يُختبر صبره وصدق عزيمته في هذا السبيل، الإيمان والابتلاء صنوان لا يفترقان؛ فبالابتلاء يُختبر الإيمان ويثبت أهله من الرجال والنساء، ودونه يدّعيه أيّ كان، لذلك به يميز الله الخبيث من الطيّب ويكشف القويّ الشجاع من الضعيف الجبان.
- وذكّرت بأن بنيانه التربويّ عصيّ صعب المراس: "إلا أن الدواخل منك تشتعل فتملأ غُرَف وممرات (المسكوبية) أملاً وقوةً وصبراً بإذن مولاك"، وكانت في اختيارها كلمة الدواخل اختصار كبير لمحتوى هذا البنيان التربوي الداخلي لهذا الفتى: كيف بنيت إرادته وما طبيعة همّته وبماذا تشتعل عزائمه؟، الإرادة محور هذه الدواخل: الإرادة قوةً وتوجّهًا، وفي هذا يكون الناس درجات: على أي درجة تقف قوة إرادته ثم صدق توجه هذه الإرادة بإخلاص مجرّد لا رياء ولا نفاق فيه، ثقة عالية دون أن يصل إلى غروره بنفسه فينسيه فضل ربّه في حفظه ومعيّته الكافية؟
- أما المعادلة الثالثة فقد نظرت في برمجته في سياق من ساروا قبله في هذا الطريق اللاحب فثبتوا وضربوا أروع الأمثلة جهادًا وتضحية، لم يأخذ منهم الأعداء لا حقًّا ولا باطلًا وحققوا الانتصار الساحق على هذا العدوّ الذي لا رصيد له إلا الحقد والخسّة والصفاقة، من أبيها وأمها وأخته شذى التي سبقته وكل الأحرار الذين مرّوا بهذه المسكوبية اللعينة، وأشعلت الروح أيضًا بعظيم بغضنا لهذا العدو الشيطاني اللئيم لتفجّر في نفسه مخزون التحدّي وتشعل روح الانتصار.
معادلات هذه الرسالة النورانية المحمّلة بروح جهادية ثورية حركية عالية هي التي علينا أن نربيّ أبناءنا عليها، ونبني على قواعدها جيل تحرير واعدًا لمستقبل أيامنا مع هذا العدوّ الغادر، لقد ضربت مثالًا للمرأة المؤثرة الرائدة، لا كما ما يأتينا من مؤتمر سيداو الذي يهبط بالروح، ويمسخ شخصيتنا ويجعلها ترتكس إلى مهاوي الردى، والجاهزية التامة للاستعمار والاستحمار أو التعايش مع ثقافة الاحتلال تبعية وعبيدًا واستسلامًا.
لا شك بأننا أمام مدرسة تربوية نجحت في زراعة هذه القيم العالية، هي مدرسة بيت مربّ فاضل هو الشيخ ماجد حسن، وهنا أعترف بأنه ليس من السهل هذه الأيام النجاح في هذا البناء، في بيئة تربوية طاغية حاصرت أبناءنا من كل جانب، وأغرقتهم في طوفان عارم، هو الإنترنت الذي لا يقلّ خطرًا عن الطوفان الذي أرسل على قوم نوح (عليه السلام)، هناك كانت ألواح ودسر نوح طريق النجاة، اليوم نحتاج إلى أمثال هذا الشيخ في إتقان عملية البناء التربوية بكل ألواحها ودسرها المطلوبة.