يرى مراقبون توجيه (إسرائيل) الخميس الماضي دعوة للعائلة المالكة في بريطانيا لزيارتها في الذكرى المئوية لوعد بلفور، "رسالة إسرائيلية للشعب الفلسطيني بأن بريطانيا لن تعتذر، وأن الوعد لم يكن قرارًا فرديًا بل قرار حكومي".
وأكدوا أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يمثل نوعًا من الانتصار السياسي الإسرائيلي لكسب حليف ثقيل الوزن، بعيدًا عن الاتحاد، يستطيع أن يتصرف وفق الأهواء الإسرائيلية بماضٍ بريطاني استعماري.
وذكرت صحيفة "التايمز" البريطانية، أن العائلة المالكة في بريطانيا تلقت مجددًا دعوة رسمية لزيارة (إسرائيل)، في الذكرى المئوية لوعد بلفور، الذي أعطى اليهود حقًا في فلسطين.
ووعد بلفور، هو رسالة وجهها رئيس الوزراء البريطاني آرثر جيمس بلفور، في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 1917، إلى اللورد اليهودي ليونيل روتشيلد، يبلغه فيها بتأييد الحكومة البريطانية إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.
وعلى إثر هذه الرسالة، سهّلت بريطانيا هجرة اليهود إلى فلسطين، وأنهت انتدابها عليها مع إعلان (إسرائيل) إقامة دولتها عام 1948.
ويرى مدير دائرة الخرائط في بيت الشرق خليل التفكجي أن الدعوة تأكيد لما حدث قبل عام 1948م، تهدف (إسرائيل) من خلالها إيصال رسالة أن من أعطى الوعد ليس بلفور بل الحكومة البريطانية بكل مكوناتها.
وقال التفكجي لصحيفة "فلسطين": "إن الدعوة رسالة أخرى للفلسطينيين بأن بريطانيا ما زالت متمسكة به، وأنها لن تلبي مطالب الفلسطينيين بالاعتذار"، موضحا أن القرار عندما اتخذته بريطانيا لم يكن قرارًا من شخص، بل حكومي تلتزم به.
أما فلسطينيًا، فيشدد على ضرورة تشكيل أداة ضاغطة على بريطانيا، إلا أنه ذكر أن ذلك يحتاج إلى وقت وعملية مستمرة لتحقيق الأهداف، مؤكدا أن الحكومة البريطانية داعمة لـ(إسرائيل).
وتابع: "(إسرائيل) فرضت الأمر الواقع على الأرض باحتلال فلسطين، ولكن هذا لا يعني أن يبقى الشعب الفلسطيني يتحمل المآسي، ويعاني نتيجة الوعد".
وبشأن مؤتمر فلسطينيي الخارج وأثره في قضية حق العودة، أكد أن المؤتمر يحتاج إلى استمرار، وأن تكون اللجان المتفرعة منه على مستوى المواجهة.
فيما يقول المحلل السياسي من جنيف سامر أبو العينين: "إن وعد بلفور الذي بدأت من خلاله الأزمة الفلسطينية، كان بمثابة الطعنة التي طعنت بها الأمة العربية، والخنجر المسموم الذي ما زالت آثاره تسري في قلب المنطقة وتسبب في كل الكوارث التي تمر بها المنطقة وامتد أثرها لمناطق أخرى من العالم".
وأضاف أبو العينين لصحيفة "فلسطين" أنه ينظر إلى بريطانيا في (إسرائيل)، على أنها أحد الأسباب التي أدت إلى ظهور هذا الكيان الغريب الاحتلالي لدى العرب، مبينًا أن المرحلة الحالية هي أقوى مراحل التحالف في تعزيز العلاقات بين (إسرائيل) وبريطانيا وأمريكا.
واستبعد أن تقوم بريطانيا بالاعتذار للشعب الفلسطيني، حتى وإن قامت ملكة بريطانيا بأي موقف مساند للقضية الفلسطينية، لأن مواقفها لا يحكمها أي نوع من العلاقات الرسمية لبريطانيا.
فيما يعتبر أستاذ الإعلام السابق د. كمال علاونة أن الدعوة الإسرائيلية لجزء من العائلة المالكة ببريطانيا تحدٍ للشعب الفلسطيني وانحياز بريطاني للاحتلال، لافتًا إلى أن بريطانيا هي من أنشأ ودرّب عصابة "الهاجاناه" الصهيونية، وسهلت هجرة اليهود إلى فلسطين.
وقال علاونة لصحيفة "فلسطين": "إن بريطانيا قدمت فلسطين كوطن قومي لليهود، وخاطبت الشعب الفلسطيني الأصيل على أنه عبارة عن طوائف".
ودعوة الاحتلال لزيارة جزء من العائلة المالكة، كما تابع، استمرار للعنجهية البريطانية والتردي العربي والإسلامي، الذي لا يضغط على بريطانيا، خاصة في ظل عدم التعاطي الإيجابي البريطاني مع المطالب الفلسطينية بالاعتذار.
كما يطالب علاونة بضرورة الضغط على بريطانيا وتعويض الشعب الفلسطيني عن الظلم الذي وقع عليه طوال السنوات السابقة، وقال: "إن بريطانيا التي لم تكن تحتل فلسطين أعطت ما لا تملك لمن لا يستحق".
ومن المفترض، والكلام لعلاونة، أن يكون هناك ضغط وقرارات عربية لمعاقبة بريطانيا، مؤكدا أن نقطة الصراع بين الفلسطينيين والاحتلال هي "أكون أو لا أكون".
إلا أنه نوه إلى أن الشعب الفلسطيني لا يمكنه التصدي بشكل حقيقي للمشروع الصهيوني بفلسطين، لأن هذا المشروع عالمي يهدف لطرد اليهود من المناطق التي يسببون فيها الظلم والاستبداد.
بيد أنه يؤكد أن مستقبل الصراع هو للشعب الفلسطيني، مستبعدا أن تستجيب بريطانيا للمطالب الفلسطينية إلا إذا كان هناك ضغوط سياسية واقتصادية، ودلل على كلامه بأن فرنسا التي احتلت الجزائر عام 1830م اعتذرت للجزائر العام الماضي.