في اليوم نفسه الذي أقرت فيه لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي ترشيح ديفيد فريدمان لتولي منصب سفير أمريكا في (إسرائيل)، أعلنت المصادر الفلسطينية عن تلقي الرئيس عباس مكالمة هاتفية من الرئيس ترامب يشدد فيها وفق المصادر الأمريكية على أن اتفاق السلام يجب أن يكون ثمرة مفاوضات مباشرة بين الاطراف، وأن الولايات المتحدة لا يمكنها فرض حل على الفلسطينيين والإسرائيليين.
فهل نفرح نحن الشعب الفلسطيني مع الفرحين لهذه المكاملة، ونفرح لدعوة السيد محمود عباس لزيارة البيت الأبيض، ومن ثم نفرح لاستئناف المفاوضات المباشرة بين الطرفين؟
الفلسطينيون الذين أعيتهم التجربة المريرة في العلاقة مع أمريكا، لا يتوقعون فائدة من دعوة ترامب للسيد عباس لزيارة البيت الأبيض، ولم يأت البيان الأمريكي الذي تناول المكالمة الهاتفية بين ترامب وعباس على ذكر حل الدولتين كما جرت العادة في البيانات الأمريكية ، وتخلى البيان عن فكرة الحل العادل، ووفق القرارات الدولية، ليحل محل كل ما سبق، مفاوضات مباشرة بين الطرفين دون مرجعية قانونية أو سياسية أو دولية، وهذا ما يوحي بأن استئناف المفاوضات مع الإسرائيليين أصبح غاية الأماني للقيادة الفلسطينية، ليصير الفرح في اتصال الإدارة الأمريكية مع القيادة الفلسطينية، ويصير الفرج في دعوة عباس لزيارة البيت الأبيض؟
لقد دعا الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما السيد عباس إلى زيارة البيت مرات كثيرة، وقد قامت وزيرة الخارجية الأمريكية رايس بزيارة رام الله أكثر من 25 مرة، وزارات مادلين أولبرايت القيادة الفلسطينية ثلاثين مرة، وزارت كلنتون القيادة أكثر من عشرين مرة، وكذلك فعل جون كيري الذي زار رام الله عشرين مرة، وتناول خلالها الشاورما في الشوارع، وكان مؤيداً علناً لحل الدولتين، فما الذي كسبته القضية الفلسطينية من كل تلك الزيارات لنفرح نحن الشعب الفلسطيني مع الفرحين بالمكالمة الهاتفية، وبالدعوة لزيارة أمريكا؟
لقد أسهم اتصال ترامب الهاتفي في فك العزلة السياسية عن السيد عباس، وأعاد له الشرعية الفلسطينية التي باتت على محك الخلافات الداخلية والعربية، ولكن هذا الاتصال وهذه اللقاءات لن تضيف شيئاً مهماً للقضية الفلسطينية؛ التي صارت محكومة بالسياسة الإسرائيلية التي دفعت باتجاه تعيين ديفيد فريدمان سفيراً لأمريكا في تل أبيب، لتعكس بذلك التعيين فحوى السياسة الأميركية التي يمثلها السفير، والتي ترى بمدينة القدس عاصمة أبدية لدولة إسرائيل، لذلك فهو يقيم في المدينة المقدسة، ويرفض حل الدولتين، بل يتهم اليهود الأمريكيين المؤيدين لحل الدولتين بالعمالة وأسماهم بـ "كابو" وهو اللقب الذي أعطي للحراس اليهود أثناء المحرقة النازية، ليتبنى فريدمان المشاريع الاستيطانية أيديولوجياً، ويستثمر فيها شخصياً.
أزعم أن اتصال ترامب بالسيد عباس، ودعوته لزيارة البيت الأبيض تدخل ضمن السياسة الأمريكية الاعتراضية؛ التي تسبق مؤتمر القمة العربي القادم في الأردن، وهي تصر على التمسك بكل الخيوط السياسية في الشرق الأوسط، وجاءت الدعوة لزيارة البيت الأبيض بهدف قطع الطريق على بعض الأحزاب اليمينة المتطرفة في إسرائيل، التي تطالب بخطوات أحادية الجانب على أرض الضفة الغربية، خطوات متطرفة تتعارض مع السياسة الدولية، ولها انعكاساتها السلبية على الاستقرار الذي تنشده أمريكا في هذه المرحلة.