فلسطين أون لاين

مدرستا القيق والأعرج

شهدت الساحة الفلسطينية في الأيام الأخيرة؛ نجاح وانتصار مدرستين من إنتاج وصناعة فلسطينية خالصة، وهو نجاح الأسير محمد القيق بإضرابه للمرة الثانية، وفوز الشهيد باسل الأعرج بالشهادة، وهو ما قض مضاجع كيان الاحتلال، الذي لا يريد أن يرى أي إنجاز أو بارقة أمل وانتصار للشعب الفلسطيني؛ سواء لأفراد أو جماعات وتنظيمات.

الشهيد باسل الأعرج كان مدرسة للإنسان المثقف الواعي المخلص لقضيته وشعبه؛ والذي أتبع كلماته وعباراته بالفعل على الأرض؛ وهو ما دفع الاحتلال لإرسال قوات كبيرة لاغتياله؛ ظنا منه انه بمقتله تنتهي حكايته وأسلوبه في العمل؛ وإذا به يلهم الكتاب والمفكرين وقادة الرأي؛ في دراسة ظاهرته وتجلياتها، ومدى إمكانية تكرارها بأسلوبها الناجح والمثمر.

في مرحلة الهجوم المادي والتراخي؛ يتحول المثقف إلى أداة طيعة بيد فكر الهزيمة والانبطاح، ويبحث عن حياته دون تضحيات؛ لكن هذا لم ينطبق على الشهيد باسل الأعرج الذي استطاع ان يخترق المفاهيم الضيقة وحطم فكر الهزيمة؛ وحوله لفكر مستنير يقلق الاحتلال ويقض مضاجعه؛ ودليل ذلك اغتياله.

كذلك الأسير محمد القيق والذي نجح للمرة الثانية في تحطيم مخرز الاحتلال بكفه البسيطة؛ التي ملأها بالإيمان بقضيته وحتمية النصر على محتل لا يفهم إلا لغة المواجهة والتحدي، وهو ما أجاد به الأسير محمد القيق؛ والذي سابقا هزم محتليه وسجانيه بإضرابه لأكثر من 90 يوما ، والآن بعد شهر تقريبا من إضرابه؛ ينجح بقهر سجانيه ومحتليه، وينجح ليهزم فكر الهزيمة والانبطاح.

الأسير محمد القيق بصبره على الجوع الذي كان شعاره؛ وجع ساعة المعدة والرأس ولا وجع كل ساعة بطول الأسر، وإنما النصر صبر ساعة، وترجمه القيق فعلا على الأرض بعيدا عن النظريات، وهو بذلك حطم أسطورة الاحتلال، وكسر مفاهيم العجز والاستسلام لقوة الباطل الظاهرة؛ والتي هي اوهن من بيت العنكبوت.

هذا هو الشعب الفلسطيني ينجب الأبطال أمثال الشهيد باسل الأعرج، والأسير محمد القيق، والمسيرة قد تقصر أو تطول وما زالت متواصلة لا تتوقف، وقصار النفس؛ لن يرحمهم التاريخ، وسيتنحون اجباريا - لاحقا - بفعل نواميس الكون وجدليته التاريخية.

يظن الاحتلال انه بقتله لباسل الأعرج وحبسه لقادة الشعب الفلسطيني؛ انه بذلك يخمد مطالبة الشعب الفلسطيني بحريته؛ ولكن من يتمعن بانعكاسات ما يقوم به الاحتلال؛ يرى أن العكس هو الصحيح؛ حيث يزداد الشعب الفلسطيني بسالة وقوة بعد كل ضربة يتلقاها؛ كونه صاحب حق؛ بينما الاحتلال صاحب باطل؛ يقتل ويظلم الشعب الفلسطيني ويرفض اعطاءه حريته ودولته كبقية دول العالم.

ما زالت مدرستا القيق والأعرج تعطي ثمارها، وستبقى تعطي ثمارا طيبة لاحقا للشعب الفلسطيني، فمن أراد الحرية لشعبه؛ تصغر أمامه كل التضحيات، ويقدم روحه كالشهيد الأعرج عن حب ورضا، ويتحمل عذاب ووجع الإضراب عن الطعام كحال الأسير محمد القيق، وغدا سينعم الشعب الفلسطيني بحريته؛ كنتاج منطقي وعادل؛ لكل هذه التضحيات، "وما ذلك على الله بعزيز".