رغم الأمطار الغزيرة وقسوة طقس فجر يوم الجمعة المسجد الأقصى اكتظّ بالمصلين، ورسم لنا مشهدًا قريبًا من مشهد صلاة الجمعة فيه أيام رمضان، هذا مع الأخذ في الحسبان أن المسموح لهم بالذهاب إلى الأقصى لا يتعدون الخمسة من المائة من سكان الضفة الغربية، لا يسمح إلا لمن تجاوز الخمسين وحصل على تصريح، وهذا وحده اعتداء غاشم على حرية العبادة، ولا يوجد في العالم كله من يمنع الناس من الوصول إلى معبدهم، ويستمر في هذا المنع، إلا دولة الاحتلال هذه.
لقد هرعوا إلى المسجد الأقصى من القدس وضواحيها، ومن كل فج عميق من داخل فلسطين المحتلة والضفة، ليشهدوا منافع لهم ولدينهم وقدسهم وأقصاهم، ويؤكدوا حقوقهم المهدورة، ويعلنوا للعالم أجمع أن هذا الاحتلال وكل قواه الاستيطانية لا حق لهم بأي ذرة من تراب الأقصى والقدس، وأن هذه الغطرسة وبسط العربدة الاحتلالية إلى زوال، ولن يكتب لها البقاء ما دام الفلسطيني يلتحم بالأقصى التحامه بدينه وعقيدته، وما دام الأقصى قضية مقدمة على النفس ومهجة للروح ودرّة تاج على رأس كلّ فلسطينيّ وعربيّ ومسلم.
كان المطر غزيرًا والتحمت الجباه ببرك المياه التي جاءت بالرحمة الإلهية لتحيي الأرض بعد موتها، الجباه تعانق مياه الرحمة الربانية لتحيي الأقصى بروحها ولتستمد العزيمة ولتشعل الإرادة الحرّة بنور السماء، لم يثنها البرد وزمهرير الصباح ولا البلل الذي ينخر العظم، الإيمان العميق والإرادة الحرّة والانتصار لعزّة النفس وكرامتها وانتفاضة المقهورين كلّ ذلك أشعل الغضب:
- الغضب من صفاقة وبغي المستوطنين المدعومين بقوة السلاح على ساحات الأقصى، وعنجهية المستوى الرسمي عندهم، آن الأوان أن يوضع حدّ لهذه العربدة.
- الغضب من تراجع الأمة العربية والإسلامية عن القيام بدورها الصحيح تجاه القدس، والاكتفاء بتغريدات إعلامية باتت لا تسمن ولا تغني من جوع، حتى دعم صمود أهل القدس -وهو أضعف الإيمان- نجد ملياردير صهيوني واحد يدعم القدس أضعاف ما تدعمه الدول العربية مجتمعة!
- الغضب من حالة الاجتياح الصهيوني لكل مقدرات القدس، التي تسير وفق خطة ممنهجة وتدريجية، حتى أضحى الأمر على ما هو عليه الآن، والقادم من رؤوسهم يسير من سيئ إلى أسوأ.
الصلاة في المطر سباحة تحت الماء تقول الكثير:
- لقد بلغ الغضب في الصدور حدًّا لا يحتمل انتظار توقف المطر.
- أقصانا لنا ما فوق الأرض وما تحتها ولا تحلموا بالتخلّي عنه، ولو تحوّل إلى سفينة تغرق تحت الماء فسنتشبث به، ولن نتركه يغرق وحده، مستعدون إلى الغرق معه.
- لا يحول بيننا وبين أقصانا شيء، سرينا له ليلًا والمنخفض الجوّي على أشده، أرواحنا تظلله وتحلّق في سمائه ولا تخشى الصواعق ولا رعد السماء ولا الغرق.
- نحن الرحمة المهداة له، تمامًا كالمطر، نقف في مواجهة كل ما يخرج منكم من شرّ ومكر وكيد وخطر.
الأقصى والقدس والقيامة وكل حجر وزاوية وموطئ قدم هي للفلسطينيين القضية والروح والحق الثابت، وهو الذي لا يزلزله منخفض جويّ ولا منخفض احتلاليّ من حثالة البشر.