فلسطين أون لاين

الردّ الإيراني وعين الأسد ؟!

عندما تكون شجاعا عليك أن تكون حكيما، وعندما تكون حكيما لا بدّ لك من الشجاعة، وهذه لها ميزان من ذهب لأن المبالغة في الحكمة على حساب الشجاعة مشكلة والعكس صحيح، فالشجاعة قد تصل إلى التهور إن لم تتّسم بالحكمة, فهي بمثابة الكوابح للسيارة القويّة، وإن لم يُقدم الشجاع وعرقلته حسابات السياسة وفن الممكن كان جبانا وقد يوصله جبنه الى المذلّة والمهانة وطلب سلامة الراس بكل ما يملك ولو أدّى به ذلك إلى خلع كلّ ملابسه والخروج للناس, كيوم ولدته أمه كحال كثير من الحكام والحكومات التي تمتلك المليارات وعظيم الثروات ولكنها مكبّلة بجبنها وخورها وحرصها الشديد على سلامة رأسها وبقائها على وهم عرشها وصفاقة عقلها.

هناك أمران يكبلان زعماء الذلّة والمهانة وتجّار أعلامهم الموازي وأبواقهم التي لا تملك الا التطبيل والتزمير لهم ولأحوالهم القميئة: الاوّل فقدان السيادة والاستقلال والحريّة وصناعة القرار ، والثاني ناتج عن الاول وهو التبعية والرضى بأن يكونوا شعرة في ذيل الاخرين، فماذا يقرّر العبد في مصيره ومصير بلاده؟ ما لم يكن الزعيم أو القائد سيّدا وندّا يتعامل مع الاخرين سواء كان مسالما أو محاربا من موقع السيادة والندية فلن يخرج منه الا المزيد من الهوان والخنوع وبيع الجمل وما حمل لاعداء شعبه بابخس الاثمان. وأضف الى ذلك طريقة اتخاذ القرار ما بين الطريقة المؤسساتية التي تصل الى القرار الافضل وطريقة الفرد والاستحواذ على قرار البلد والتي يسهل فيها الضغط والابتزاز من قبل النفوذ الامريكي في المنطقة.

الدول العربية والاسلامية المحيطة بايران غارقة بالقواعد الامريكية, وزعماؤها غارقون بالتبعية والخنوع والاستسلام لرغبات الهيمنة الامريكية التي لا حدود لها ولمتطلباتها ، من منهم يجرؤ على مجرد الحديث عن هذه القواعد وشرعية وجودها في بلدانهم؟ ايران تهدد الوجود الامريكي في المنطقة وتصل صواريخها القاعدة الاحبّ لامريكا " عين الاسد" ، مجرّد التسمية تشعر بالهيبة والهيمنة الاستعمارية التي تبسط جبروتها بغطرسة سمحت بها قابلية الاستعمار والمهانة والاستحمار، حتى ترامب في تغريداته اعترف بانها بصقة لم تصب وجهه ولكن مرّت بالقرب منه ، لم تنفعهم مضاداتهم الارضية واكتشفوا بأن التقنية الايرانية محليّة الصناعة قادرة على اختراق الباتريوت فخر الصناعة الامريكية. وعاد خطوات للخلف حيث المزيد من العقوبات، وهذا يعتبر تراجعا مريعا عن الاستمرار في التصعيد العسكري والذهاب الى حرب مفتوحة مع ايران لن يحمد عقباها أحد، اكتشف أن لدى ايران ما يؤذي بالفعل الوجود الامريكي في المنطقة.

ومن الواضح أن جمع ايران بين الشجاعة والحكمة والحسابات الدقيقة للموازنات الدولية وموازنات المنطقة لا يقودها الى تفضيل الحرب الشاملة مع أمريكا الا إذا اضطرت لها، وكذلك حسابات أمريكا لربحها وخسارتها في هذه الحرب طالما انها تحقق أهدافها وتصل الى كل ما تريد من بترول العرب الى النفوذ وبسط الهيمنة دون حرب فلماذا إذا الحرب المدمّرة التي يخسر بها الطرفان؟ وقد كشفت هذه الجرأة الايرانية على مدى استعداديتها للمواجهة وحيازتها على قدرات عالية من العدّة والعتاد " ولو ارادوا الخروج لأعدوا له عدّة " بينما دول التبعية لم ترد المواجهة ولم تعدّ له عدته الا من بوابة سلامة الرأس بالمزيد من الانحناء وخفضه الى مستوى الابتزاز الامريكي والرضى بمهانة ترمب لهم ولو أن يتم تشبيههم بالبقرة الحلوب. 

ولقد اعتاد من لم يعتد الوقوف في مربع الندّية والسيادة ولم يعتد أن يتصوّر زعماؤه في هذا المربع أن يطلق ذبابه الالكتروني صواريخهم الكلامية الساخرة، لا على القواعد الامريكية الغارقة بها بلدانهم بل على تلك الصواريخ التي أذهبت ماء وجوه زعمائهم قبل ان تذهب ماء وجه أمريكا في المنطقة!  فهل يجوز للقاعد الغارق أن يهزأ بالمجاهد الذي يقف على حافّة النصر او الشهادة ؟؟

هم نفسهم من هزئوا بصواريخ غزّة محلية الصنع وهزئوا من مقاومتها التي صنعت توازن الرعب مع محتلّ يملك ترسانة نووية، فهل تستوي ارادة المقاومة والصمود والتحدي بارادة العيش الذليل تحت رحمة احتلال لا يعرف طعم الرحمة ؟ وهل يجوز لهذا القاعد أن يهزأ بذاك المجاهد ؟؟

ايران كدولة تعمل وتخطط باستقلالية ونديّة وبما يرعى أهدافها ومصالحها وليتنا نرى المزيد من الدول التي تعمل بهذه الروح ، ولو كان هذا لما تمكنت امريكا منا بهذا الشكل المريع ، وكذلك فهي تريد أن تنتصر في النهاية ولا تريد أن تنتقم وشتان بين الطريقين: طريق من يريد الانتصار وطريق من يريد الانتقام .

(وبالقطع نحن الفلسطينيين لسنا مع التبعية لأي كان لا ايران ولا تركيا ولا أي دولة عربية لأن الحرّ يقيم علاقته على قاعدة السيادة على قراره والاستقلال بشخصيته والنديّة بإقامة العلاقات مع غيره، نحن مع اقامة أيّ علاقة على من يتقاطع معنا في قضيتنا ونقطة آخر السطر ).