يبدو بوضوح أن أعظم الفرحين بهذا الاغتيال هم قادة العدوّ الإسرائيلي بكل ألوانهم القاتمة والزاهية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، إذ إن تطوُّع أمريكا بهذا الفعل نيابة عنها وبهذه الصورة الهوليودية على طريقة رجل الكابوي الأمريكي بكامل صورته المتغطرسة التي تمارس جبروتها بكامل عنفوانها المجرم ، هذا آخر ما يحلم به سادة الاحتلال في هذه الدولة المستعلية، لذلك حق لهم أم تمتلئ صدورهم فرحا وأن تنتاب قلوبهم نشوة ما بعدها نشوة.
التاريخ القريب قبل البعيد يقول لنا إنه بعد السكرة والنشوة ولذّة العربدة تأتي الفكرة، كانوا مثلا يقولون إن دخول جيشنا للبنان هو مجرّد نزهة صيفية، وإذا بهم يسمون عملية هروبهم منه في جنح الظلام عملية الغسق، هذا الوقت المفضل عند اللصوص والحرامية، وأمريكا هربت من الصومال وهزمت في فيتنام، المسلسل التاريخي طويل وهذه المرّة ستكون مختلفة عن جميع انتكاساتها السابقة لأسباب موضوعية عدة، ولأن التاريخ لا يعيد نفسه بل يأتي بمفاجآت كثيرة.
بداية الخسارة ومن خلال ما شاهدنا من مواكب التشييع المليونية غير المسبوقة وقد أتت على غير ما توقعوا إذ أن غباءهم وتقديراتهم السطحية: أن هذه الشعوب ستخرج فرحة بهذه العملية، وإذ بها بهذه الملايين المهولة التي تجدد البيعة من جديد وتظهر عشقها للشهادة والقدس وكل القيم الثورية التي تواجه الظلم والاستكبار والغطرسة الأمريكية. لقد أعادت للثورة اعتبارها وأخرجت على السطح كل المخزون القديم الذي يظهر محور الشر الأمريكي الإسرائيلي بصورته السوداء الحقيقية. لقد زودت هذه العملية الوقود الكافي لإعادة انطلاق الروح الثائرة في منطقة من أكثر مناطق الوجود الأمريكي توترا وحساسية، مناطق فيها منافع لهم ومصالح وسطوة ونفوذ.
لقد أعطت المبرر الكافي للرد على هذا العدوان، وهذا من شأنه أن يُبقي قواتهم وقواعدهم وأماكن وجودهم في المنطقة في حالة تأهب قصوى وهلع وقلق شديد، وفتحت المنطقة لسيناريوهات قد بدت علاماتها، وهي تبدأ من جعل الوجود الأمريكي في المنطقة مكلفا جدا بشريا وماديّا، ما سيسرّع من انسحابه، إلى أن تتدحرج الأمور إلى حرب شاملة رغم أنه على ما يبدو لا أمريكا ولا إيران ولا أحد في المنطقة معنيّ بها، لذلك يبقى خيار مقاومة محدودة ولكن على المدى البعيد وجود مكلف للأمريكي في العراق والمنطقة .
وقد خسرت أمريكا كثيرا من صورتها أمام حلفائها في المنطقة الذين تخزبلوا أمام شعوبهم ووُضعوا في موقف لا يسرّ صديقا ولا يرضي عدوّا ، كشفهم هذا المدّ الثوري وجعلهم أذلة صغارا وسيزدادون ذلّة واستحقارا من شعوبهم إذا حققت مقاومة محور الشر نجاحات قادمة، لم تحسب أمريكا في هذه الجريمة حسابا لحلفائها بل تركتهم عراة مفضوحين أمام الرياح الثورية الصاعدة.
الحرب سجال ولن تكون هذه الجريمة الأولى والأخيرة. هي حلقة في مسيرة صراع طويل، جاءت لتضع الأمور في معادلاتها الصحيحة، جاءت بغبائهم وفي ظل حسابات انتخاباتهم الضيقة لتؤكد حقيقة الصراع بأبجدياته الأساسية: محور شر واضح المعالم ومقاومة عنيدة هي له بالمرصاد.