ما زالت نشرات الأخبار العربية والعالمية تتناول تداعيات اغتيال سليماني وأبو مهدي المهندس. الخبر لم ينطفئ رغم مرور عدة أيام على جريمة الاغتيال. مسيرة التشييع الأكبر بعد الخميني حملت رسائل خارجية وداخلية. مشاركة هنية والنخالة تحمل أدلة كبيرة على الساحة الفلسطينية، والصراع مع (إسرائيل) . وربما تداعيات الجريمة الكبيرة هي أكثر حضورا في العراق نفسه، حيث موقع الجريمة جغرافيا. البرلمان العراقي أخذ قرارا يطالب الحكومة العراقية بإنهاء التواجد الأميركي في العراق.
ربما لا تستطيع الحكومة العراقية أن تتخذ قرارا يتفق مع مطلب البرلمان، لأنها تنظر أنها ما زالت في حاجة للوجود الاميركي والأجنبي. الحكومة قد تتجه إلى اتفاق جديد مع الإدارة الأميركية، يضمن تجاوز الأزمة الراهنة. وقد تسعى الحكومة العراقية إلى توسيط دول أوربية بحث الولايات المتحدة أن لا تعود لمثل هذه العمليات في العراق.
العراق لا يريد أن يكون ساحة للصراع بين أميركا وإيران، ولا يريد صراعا بالوكالة بين الدولتين في بغداد. العراق بين مطالب إيرانية أعلن عنها مستشار المرشد للعلاقات الدولية علي أكبر ولاياتي، حيث طالب بإخراج القوات الأميركية من العراق كثمن عن توقف إيران عن الانتقام والثأر. وكرر قادة الحشد الشعبي، وأطراف شيعية أخرى مطلب ولاياتي بعبارات مختلفة، بعضها حمل تهديدا باستخدام القوة لإخراج أميركا من العراق.
هذا المطلب الإيراني يؤشر على أن إيران تحاول أن تحول حدث الاغتيال، وحديث الانتقام، نحو أهداف استراتيجية بعيدة المدى. ومما لا شك فيه أن إيران تقبل بهذا الثمن لأنها تعمل له منذ فترة، وتفردها بالساحة العراقية أفيد لها من عملية انتقام يذهب بها بعض رجال أميركا. وهو هدف لا يستدعي حربا موسعة، ولا انتقاما مردودا على فعل إيراني.
صوت إيران وأذرعها صوت عال بالانتقام القوي والمقدس، ولكن إيران البراغماتية تقبل بالخروج الاميركي ثمنا لهذه الجريمة. أميركا التي ساعدت على إشعال المظاهرات المناوئة للحكومة العراقية، وللنفوذ الإيراني، هي أميركا ترامب الذي قرّبت إيران من الشيعة العراقية بغباء لا حصافة معه، وجعلهم يجتمعون على طلب إجلاء القوات الأميركية من العراق.
دول أوروبا تحاول الوساطة، وتحاول دفع ثمن مالي لإيران من الأرصدة الإيرانية المجمدة، وتدعو إيران لضبط النفس، وروسيا تقول إن الرد الإيراني سيكون بتوجه إيران إلى صناعة قنابل ذرية خاصة بها لمواجهة التهديدات الأميركية. وهذا التوجه هو ثمن غباء ترامب في ادارة العلاقات الدولية. وقد لا تجد احدا يرفض خروج اميركا من العراق.