قبل ولوجك إلى المكان سيوقفك حجرا صوان دائريا الشكل كبيرا الحجم يعودان إلى معصرة زيتون من العصر الروماني، ثم تدخل إلى ساحة فسيحة لبايكة عمرها 64 عامًا، ستتمعن في الأحجار القديمة التي شكلت جدرانها والأبواب الخشبية الضيقة الملاصقة لها نوافذ طويلة.
الزوجان محمد ونجلاء أبو لحية من بلدة القرارة في خان يونس جنوب قطاع غزة، دفعهما حب جمع المقتنيات الأثرية، إلى تحويل البايكة إلى متحف عمره الزمني أربعة أعوام، ولكن يحمل بين جنباته قطعًا أثرية يعود تاريخها إلى مئات السنين، رائحة العراقة تفوح بين جنباتها تحفز ذاكرتك على تخيل مجريات حياة الفلسطينيين اليومية في القدم.
بدايته كانت سراجًا صغيرًا قديمًا وجده محمد واحتفظ به في بيته، حتى أصبح هو ونجلاء يجمعان ما تقع أيديهما عليه من مقتنيات وقطع أثرية حتى تكدست في البيت، فقررا التوجه إلى وزارة السياحة والآثار لأرشفة تلك القطع.
ثم جاءتهما فكرة إنشاء متحف القرارة الثقافي الخاص بهما، تتحدث عنها نجلاء: "أردنا أن نجمع هذه المقتنيات والقطع الأثرية في مكان لا يقتصر علينا، بل أردناه صرحًا ثقافيًّا يؤمه الجميع، لذا استأجرنا بايكة أسست في عام 1956م، وكانت تستخدم مخزنًا للقمح، ومكانًا لاستراحة الدواب ومبيتها".
وتضيف: "كل فنان يميل للأمور المختلفة التي فيها شيء من الغرابة يدفعه نحو اقتنائها، لامتزاج الفن بهذه القطع التابعة لحضارات تعود لآلاف السنين".
وتتابع نجلاء: "بدأنا بقطعة واحدة واليوم يضم المتحف 3700 قطعة أثرية تعود إلى العصور الرومانية، والبيزنطية والفرنسية، ولكن أكثرها الرومانية، لأن القرارة كانت في العصر الروماني تسمى سوق مازو (مازن)، وكانت عبارة عن مصنع للفخار والزجاج، وهي غنية بهما، لذا نجدها غنية أيضًا بالعمدان والتيجان، وهذا يدل على وجود أسوار وقلاع، والفسيفساء تدل على وجود كنيسة قديمة داخل البلدة".
والمتحف غرفة قسمت إلى عدة أقسام: الرسومات، والتراث والآثار، والخلجات، ومختبر ترميم المقتنيات الأثرية، وهو الأول من نوعه في قطاع غزة، ويشرف عليه فريق كامل من المتطوعين يصل عددهم إلى ثمانية أشخاص.
وتشير نجلاء إلى أن إيجار المتحف على نفقتهما الشخصية، أما المختبر فقد مولته مؤسسة داليا بعد حصول المتحف على المركز الأول من بين 30 مشروعًا شارك في المسابقة.
وعن شكل المختبر الذي مثل لعملهما نقلة نوعية يجيب محمد (30 عامًا): "سيقدم عملية إسعافات أولية للقطع المكسورة والمحافظة عليها من الهلاك، كالفخار والزجاج، إضافة إلى المواقع الأثرية القديمة، وأرشفتها وتفعيل السجل الوطني على مستوى فلسطين".
ويضيف: "حاليًّا سنتلقى دورة تدريبة عن ترميم الفخار والمسكوكات (العملات)، لنكون قادرين على العمل في المختبر".
ويبين أنهما حال حصولهما على ترخيص قانوني سيكون بمقدورهما المشاركة في المسابقات الدولية، والاعتراف بالمتحف موقعًا سياحيًّا أثريًّا يستحق المتابعة والتمويل، ويضمن للسياح التوجه إليه وزيارته.
وجمع محمد ونجلاء القطع الأثرية بحملات استكشافية وبحث، بعد حدوث اجتياحات نفذها الاحتلال، ومن نتاج عملية حراثة الأرض التي يقوم بها الفلاحون في القرارة التي هي أرض زراعية خصبة، إضافة إلى حصولهم على بعض القطع من أشخاص.
ويوجه محمد رسالة شكر لأهالي البلدة لإيمانهم بفكرة المتحف وفضلهم في إنجاحها، لذا يحرص على إشراكهم في عملية التخطيط والتنفيذ، وفق حديثه.
وتعبر نجلاء عن طموحهما إلى أن يكون لهما مقر خاص بهما ليس إيجارًا، مع تهيئة المكان ببنية تحتية كاملة مؤقتًا، وعرض المقتنيات بطريقة قانونية.
ويتطلعان إلى تحويل متحف القرارة الثقافي إلى صرح وطني يضم عدة أقسام تهتم بالمسرح، والتراث، والرسم، والشعر، والأدب، وإحياء المناسبات الوطنية.