في تمام الرابعة من فجر الثلاثاء 12 تشرين الآخر (نوفمبر) الماضي، استيقظ قطاع غزة على جريمة نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي باغتيال القيادي البارز في سرايا القدس، الجناح المسلح لحركة الجهاد الإسلامي، بهاء أبو العطا وزوجته.
وفور لحظة الاغتيال باشرت الأجهزة الأمنية في غزة فتح تحقيق للوقوف على تفاصيل العملية، إلى أن كشفت في 29 كانون الأول (ديسمبر) الماضي تفاصيل تتعلق بجريمة الاغتيال.
ونشر جهاز الأمن الداخلي بوزارة الداخلية والأمن الوطني في غزة مقطع فيديو تضمن تفاصيل الكشف عن خلية أمنية تورطت في رصد ومتابعة الشهيد بهاء أبو العطا، وتقديم معلومات للاحتلال ساهمت في اغتياله.
واشتمل الفيديو على اعترافات أفراد "الخلية الأمنية"، ضمن ما سُمح بنشره من معلومات، في إطار التحقيقات الأمنية في جريمة اغتيال الشهيد أبو العطا.
وورد في الفيديو أن خلية تابعة لجهاز المخابرات العامة التابع للسلطة في رام الله كُلفت بمهام رصد ومتابعة الشهيد بهاء أبو العطا، على مدار عدة شهور، حتى ساعة اغتيال الاحتلال له.
ووفقًا لإفادة "الأمن الداخلي"، يقف على رأس الخلية العميد شعبان الغرباوي، الذي يوصف بـ"مسؤول المحافظات الجنوبية" في جهاز المخابرات العامة بالسلطة، الذي بدوره نقل المعلومات التي وردت إليه إلى ضباط الاحتلال الإسرائيلي.
وتضمن الفيديو اعترافات لعدد من المتورطين في عملية رصد ومتابعة الشهيد أبو العطا حتى اغتاله الاحتلال.
وكشف "ق.م" (عسكري برتبة رائد في جهاز المخابرات- 48 عامًا) أنه تلقى في آذار (مارس) 2019م اتصالًا من الغرباوي، كلفه فيه بتشكيل مجموعة تحت مسئوليته تتكون من خمسة أفراد من جهاز المخابرات.
وأشار إلى أنه تلقى اتصالًا من الغرباوي في شهر سبتمبر 2019م، سأله فيه الأخير عن مكان سكن بهاء أبو العطا: أفي منزله الجديد بالشجاعية أم ما زال يسكن غرب غزة؟، فرد عليه: "لا أعلم، لكن قبل مدة كنت بجوار بيته، فرأيت أطفالًا وبعض رجال الأمن وسيارة".
وأكد "ق.م" أنه تلقى في شهر أكتوبر 2019م تكليفًا من العميد الغرباوي بالمتابعة الأمنية لمنطقة بيت الشهيد أبو العطا.
حيثيات بداية رصد ومتابعة الشهيد أبو العطا رواها "ل.د": "في بداية شهر أكتوبر 2019م تلقيت اتصالًا من العميد شعبان الغرباوي، كلفني بالمتابعة الأمنية الكاملة لبيت الشهيد أبو العطا، والتحركات التي تحدث حول البيت من سيارات ومرافقين".
وتابع: "بعد تكليفي بأسبوع طلب العميد الغرباوي صورة لبيت الشهيد أبو العطا، فصورت البيت من الجهة الشرقية والجهة الشمالية مع مدخل البيت، وأرسلتها له عبر (واتس أب)".
وذكر "ل.د" أن من طلبات الغرباوي "معلومات عن تحركات المرافقين والسيارات حول بيت الشهيد أبو العطا.
وروى "ن.ع" (50 عامًا- وهو ضابط متقاعد برتبة عقيد في جهاز المخابرات) أن العميد الغرباوي اتصل به في بداية شهر أكتوبر عند ظهور اسم بهاء أبو العطا في الإعلام العبري والعربي، للاستفسار منه عن وضعه.
وكشف الفيديو النقاب عن اتصال هاتفي أجراه العميد شعبان الغرباوي بضابط من المخابرات الإسرائيلية يُدعى "بيري"، أخبر فيه الأخير أن سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي تعتزم تنفيذ عمليات وصفها بـ"الموجهة والخاطفة".
وأبلغ العميد الغرباوي ضابط مخابرات الاحتلال أنه أرسل له 70 ورقة عن حيثيات متابعة ورصد الشهيد أبو العطا.
وكشف "ق.م" أنه في 11 تشرين الآخر (نوفمبر) 2019م في الساعات الأخيرة قبل تنفيذ عملية الاغتيال تلقى اتصالًا من العميد الغرباوي، في تمام الساعة الرابعة، سأله فيه عن الوضع حول بيت بهاء أبو العطا.
وحمَّلت الداخلية الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن جريمة اغتيال الشهيد القائد أبو العطا، قائلةً: "إن ما قام به أفراد الخلية الذين اعتقلهم جهاز الأمن الداخلي، من تقديم لمعلومات مفصلة ودقيقة عن تحركات أبو العطا، قد ساهم في وصول الاحتلال إليه واغتياله".
من جهتها جددت حركة الجهاد الإسلامي في بيان لها، بعد الكشف عن تفاصيل جريمة الاغتيال، إدانتها الشديدة لكل أشكال التنسيق الأمني "الذي طالما كان خنجرًا في ظهر المقاومة الباسلة وتهديدًا للشعب الفلسطيني الثائر"، على حد وصفها.
وأشارت إلى أنها من خلال قنوات التنسيق والتعاون مع الأجهزة الأمنية تواصل فحص كل المعلومات ونتائج التحقيق، "بخصوص كل من تعاون مع العدو على ملاحقة المقاومة واغتيال القائد أبي سليم (أبو العطا)".
عقوبة الإعدام
في السياق يؤكد المحلل السياسي حسن عبدو أن جمع المعلومات عن القيادات الفلسطينية يتعدى التنسيق الأمني، الذي هو "جريمة وعمل إجرامي".
ويقول عبدو لصحيفة "فلسطين": "إن مرتكبي تلك الجرائم يجب قتلهم دون أي تهاون، خاصة بعد أن يثبت تورطهم ومسؤوليتهم عن تقديم معلومات ساهمت في اغتيال شخصيات فلسطينية"، مؤكدًا أن حركة الجهاد الإسلامي لن تتهاون مع أي جهة تعاونت مع الاحتلال الإسرائيلي.
ويضيف: "ليس من الغريب أن تكون أجهزة أمن السلطة ضالعة في عمليات اغتيال شخصيات فلسطينية، فجريمة اغتيال أبو العطا ليست الأولى التي تنفذ مع شخصيات فلسطينية"، ويشير إلى "وجود متواطئين مع الاحتلال الإسرائيلي على اغتيال قيادات فلسطينية، وجرى ذلك في قطاع غزة والضفة الغربية"، واصفًا ذلك بالشائن، والمدان شعبيًّا ورسميًّا وفصائليًّا.
يتابع عبدو: "إن جمع معلومات تساهم في الوصول إلى شخصيات فلسطينية وتؤدي إلى اغتيالهم شائن ومدان، ويستحق فاعله عقوبة الإعدام".
ويختم بالتنبيه إلى أن التعاون مع الاحتلال، وتزويده بمعلومات عن شخصيات فلسطينية من شأنها ضرب شبكة العلاقات الاجتماعية في أي مجتمع محتل؛ يكون هدفًا أساسيًّا للاحتلال.