هل تشعل عملية اغتيال سليماني ومرافقيه حربًا موسعة بين طرفي الصراع، أم يكتفي الطرف الإيراني بعملية انتقام قاسية، محاطة بتحذير من المرشد يوجه الانتقام بما يمنع حربًا موسعة النطاق؟!
يمكن أن نتفق مع الآخرين بأن إيران لن تتخلى عن عملية الانتقام الموازية في القيمة لمكانة قاسم سليماني، ولكن قضية الحذر، أو التحذير من الذهاب إلى حرب موسعة لا يمكن أن يتفق عليها المحللون، لأنه لا أحد يمكن أن يستبق الأحداث ويحدد حجم ردود الأفعال من الطرفين، فإذا نفذت إيران انتقامًا باسم الدولة الإيراني، كما فعلت أمريكا كدولة في عملية الاغتيال، فربما تعود أمريكا في ظل حكومة ترامب إلى عمل انتقامي أشد، لا سيما إذا كانت أمريكا وإسرائيلي متفقتين على جرِّ إيران والمنطقة إلى حرب واسعة النطاق.
إن شبح الحرب غير المتوازنة في القوة والقدرات العسكرية يخيم على إيران ومنطقة الخليج، ولما عرفت الدبلوماسية الإيرانية بالبراغماتية العالية، يمكننا أن نزعم أن إيران ستقف عند عملية انتقام تحفظ لها ماء الوجهة، وتحفظ لها بقاء ثقة حلفائها بها، وربما تجد مخرجًا لذلك بالاعتماد على حلفائها في عملية التنفيذ في حين تشاركهم في عملية جمع المعلومات، والمشاورات، وربما كانت منطقة اليمن مرشحة للعب هذا الدور. ومع ذلك فإن إيران وحلفاءها سيبحثون عن المناطق الرخوة لعملية الانتقام، وسيكون هذا خارج العراق على أرجح الاحتمالات.
إيران لا تستطيع ابتلاع عملية اغتيال سليماني بهذه الطريقة المكشوفة، المسكونة بتحدٍّ أمريكي إسرائيلي، لأن عملية البلع مكلفة، وتجعل إيران مسخرة، ونمرًا من ورق، لذا ستعمل جاهدة على أن تبدو بقدر من القوة والندية والمسؤولية، وستغامر في القرار والتنفيذ بقدر ما يحفظ لها هذه القيم والمعاني.
ثمة مصادر غربية، وأمريكية، ذهبت إلى تخطيء ترامب في قرار الاغتيال، وبهذه الطريقة المكشوفة، والمسكونة بالتحدي، لأن العملية ستضر بالمصالح الأمريكية، وربما تزيد عملية الاغتيال من التوترات في منطقة الخليج؛ ما يؤثر على إمدادات النفط، وربما تذهب إيران إلى تحالف أعمق مع روسيا والصين، ومع جماعات معادية لأمريكا وأوروبا أيضًا.
الخسارة الإيرانية ليست خسارة قائد وشخص له منزلة وشعبية، بل هي خسارة لدولة، ولسمعة دولة، ولجولة من جولات المعارك الممتدة منذ خروج أمريكا من إيران، وهي جولة تمثل حالة معقدة من صراع الدولتين في الساحة العراقية. أمريكا تريد إخراج إيران من خلال المظاهرات الشعبية المناوئة للنفوذ الإيراني، وإيران تريد إخراج أمريكا من بغداد من خلال الحشد الشعبي وسليماني، وغيرهم من المؤيدين لإيران. إذا الاغتيال تجاوز الأفراد، إلى المصالح الاستراتيجية، وهذا ما يعقِّد ويشوش احتمالات الأيام القادمة. وعلينا أن ننتظر ونحن على حذر.