فلسطين أون لاين

سياسة عباس الإقصائية قسمت الحركة

بانقسام يجزِّئ "فتح" شطرين.. وهج شعلة انطلاقتها الـ(55) ينطفئ!

...
جانب من حفل إيقاد الشغلة بغزة أمس
غزة/ يحيى اليعقوبي:

"عباس قسم حركة فتح لقسمين".. انفجرت تلك الكلمات من حنجرة محمد مزهر الذي كان يتراجع بخطواته وينسحب مع طفله الصغير من ساحة الجندي المجهول بغزة، وملامح وجهه ترتسم عليها حالة من الغضب على واقع حركة صفوفها الداخلية منقسمة.

لا يزال مزهر يحرر كلماته الغاضبة، وهذه المرة يوجهها ضد القيادات الفتحاوية المحيطة برئيس السلطة وحركة فتح محمود عباس بقوله: "سياسة أبو مازن في قيادة الحركة ليست سليمة، نريد أن تكون الحركة موحدة وليست منقسمة كما هي عليه الآن (...) القيادة تبحث عن مصالحها وليس مصالح الحركة".

وكانت صحيفة "فلسطين" حاضرة في فعاليات إحياء الذكرى الخامسة والخمسين لانطلاقة حركة فتح في غزة، وإيقاد الشعلة التي انطفأ وهج الفرح بها قبل أن توقد.

بمجرد وصولك ساحة الجندي المجهول، سيلفت انتباهك تلك التعابير الحزينة التي ترسمها وجوه كل من تقابلهم وحالة الاستياء الواضحة عليهم حسرةً على واقع حركة يشرذمها انقسام قادتها.

العديد من المشاركين ألقوا اللوم على سياسة عباس الذي "قسم الحركة لحزبين نتيجة سياسة الإقصاء التي يمارسها مع المخالفين لرأيه من أبناء الحركة".

وكانت ماجدة الفرا تطوي الراية الصفراء، وبدأت هي الأخرى في الانسحاب، هذا الانقسام الذي تعيشه حركتها عكسته ملامحها الشاحبة، وكلماتها المقهورة ونبرة صوتها الغاضبة، قائلة: "يكفي انقسامًا.. الشعب ضاع"، مضيفة: "أبو مازن لا يقود حركة فتح ولا حتى الشعب الفلسطيني، وقيادات فتح بالضفة الغربية يبحثون عن المناصب".

بتنهيدة وجع، ولهجة عامية تعبر عن غضبها مرة أخرى: "بُكرة (اليوم الأربعاء) انطلاقة فتح وكلنا بنعرف إنه الانطلاقة في 1 يناير، ليش نعملها قبل بيوم؟ هذا دليل على الانقسام".

نبذ الإقصاء والفرقة

العشرينية هديل شعت تجلس على أحد الأرصفة بساحة الجندي المجهول، وهي لم تظهر أي نوع من الاحتفال بذكرى انطلاقة حركة فتح، ليس من مستوى الترتيب، بل من حجم الانقسام الداخلي فيها، ولا تخفي ذلك بقولها: "كانت فتح في السابق يدًا واحدة، لكن الآن انقسمت قسمين، هناك من يؤيدون محمد دحلان وهناك من يؤيدون أبو مازن"، متهكمةً على واقع الحركة: "بنعرفش احنا تحت ايد مين".

تنوب فايزة بيومي التي تتوشح باللون الأصفر الذي يلتف حول رقبتها، عن هديل بالكلام، وتُسقط كلماتها الغاضبة على سياسة عباس بقولها: "الشعب آخر همه، حتى بالمناسبة ذاتها انقسمنا إلى قسمين".

"هل تشعرين بالفرحة الآن؟".. صمتت برهة بعد السؤال، ثم نظرت بغضب من خلف نقابها الأسود معترفةً بما تشعر به بلهجة عامية: "ما فيش فرحة أصلًا".

غسان سلامة أحد كوادر التيار الإصلاحي لحركة فتح، الذي كان يعيش أجواء الانطلاقة وسط الجندي المجهول، يطالب عباس بنبذ سياسة الإقصاء والتفرقة، قائلًا: "لا نريد القول إن عباس قزّم الحركة، لكن لو قمنا بالمقارنة بين سياسته وسياسة الرئيس الراحل ياسر عرفات في لم الشمل ورص الصفوف، سنجد فرقًا كبيرًا".

"ماذا أقول؟".. سؤال بعلامة استفهام متكئة على الاستياء الداخلي في صفوف أبناء حركة فتح، يتابع: "اضطررنا نحن كأبناء فتح أن نعيش أجواء انقسام نحن نرفضه، ونتمنى أن تتوحد الحركة".

الترميم أصبح مستحيلًا

اعتاد أبناء فتح في عهد الرئيس الراحل عرفات، إحياء مراسم انطلاقة الحركة بمناسبة واحدة، لكن يبدو الآن أن حجم الشرخ الفتحاوي كبير، وأن ترميمه أصبح مستحيلًا، فلا يمكن أن يجتمع مؤيدو "التيار الإصلاحي" التابع لدحلان، ومؤيدو عباس في مناسبة واحدة إلا وتحدث شجارات بينهم، وهذا ما بات يدفع الحركة للانفصال في إحياء المناسبات.

وبين الإقصاء والإصلاح، شرخ كبير يقود الحركة وأنصارها إلى مستقبل مجهول، لا تعرف فيه الحركة التي لم تفز في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، إن كانت ستكون قادرة على مواجهة التحديات المحدقة بالقضية الفلسطينية إلى جانب الحركات الفلسطينية موحدة الصفوف والجماهير، فهل تستطيع فتح التي انقسم جماهيرها حول قطبين كبيرين الالتئام مجددًا؟

فتح صاحبة الجماهير والتاريخ، يراها مراقبون اليوم، غير مؤثرة في المشهد السياسي الفلسطيني ودورها بدأ ينحصر في السلطة الفلسطينية وصراعات داخلية تؤثر في وحدة التنظيم، بعدما انسلخت عن ميثاق الشرف وكفاحها المسلح.