غياب رؤية للشراكة الوطنية، دور وطني متراجع، تنسيق أمني مع الاحتلال الإسرائيلي، تنازلات عديدة، انقسام داخلي يضربها.. هكذا تعيش حركة فتح واقعًا سياسيًّا صعبًا بعد (55) عامًا على انطلاقتها، أدى إلى ضعفها وتراجع مكانتها على الساحة الفلسطينية، وانقسامها إلى قسمين أحدهما يتبع القيادي فيها محمد دحلان، والآخر يتبع رئيس السلطة محمود عباس، على الرغم من أن قطبيها لا يختلفان في النهج السياسي وإنما يدور الصراع، كما يراه مراقبون، حول المناصب.
حركة فتح التي انطلقت باتجاه الفعل المسلح قبل 55 عامًا، اليوم تنادي على لسان رئيسها عباس بالنضال السلمي فقط، متخليةً عن المقاومة المسلحة، في حين تراجع دورها في مواجهة التحديات المحدقة بالقضية الفلسطينية.
وتاهت فتح في مربع "أوسلو"، وغرقت في وحله بـ"التنسيق الأمني"، ولم تعرف الخروج منه حتى اليوم، ما جعل الاحتلال يستفرد بالأرض الفلسطينية وخاصة مدينة القدس.
الكاتب والمحلل السياسي عمر عساف، يقول إن ظروف انطلاقة حركة فتح قبل 55 عامًا كان باتجاه الفعل النضالي، بحمل مشروع تحرري حتى إنها انطلقت قبل احتلال ما تبقى من فلسطين وسيناء والجولان عام 1967، لكن المسار الذي سارت به الحركة خلال السنوات الأخيرة ما بعد أوسلو كان مختلفًا.
وأضاف عساف لصحيفة "فلسطين"، "نحن نتحدث عن مرحلتين، الأولى استمرت 28 عامًا منذ انطلاقتها حتى أوسلو، والمرحلة الثانية بعد أوسلو أي نحو 27 عامًا، حيث بدأ فيها الانحدار باتجاه المراهنة على الحلول مع الاحتلال، لا تضمن الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني ولا تلتزم بقرارات الإجماع الوطني".
تفريط وتنازلات
ويعتقد أن مسار حركة فتح وقياداتها في السنوات الأخيرة لم يخدم مصالح الشعب الفلسطيني، مستدركًا: "لكن على الرغم من ذلك لا يزال هناك أفراد فيها يتمسكون بالنضال وحقوق الشعب الفلسطيني، والإشكالية تنبع من قيادتها وتفرد عباس باتجاه مزيد من التنازلات والتفريط بالحقوق الوطنية".
الإشكالية القائمة بين القيادي في فتح محمد دحلان وعباس، وفق عساف، رغم أن القطبين يسيران بنفس النهج السياسي، تدور على المنصب والسيطرة، لافتًا إلى أن فتح واجهت أكثر من تباين وانشقاق خاصة بعد الخروج من بيروت.
ورأى عساف أن التباين الحالي في حركة فتح وانقسامها ينعكس سلبًا على إمكانية إجراء انتخابات فلسطينية، خشية سقوطها لتشتت أصواتها بين أقطابها.
ويعتقد عساف أن عباس يتفرد بالسلطة وقدم تنازلات كبيرة للاحتلال، وخاصة مع استمرار التنسيق الأمني المجاني، عدا عن أن حديثه عن النضال السلمي نوع من أنواع التنازل.
ولفت إلى أن المطلوب من حركة فتح أن تجدد نفسها وبرامجها وتعيد الاعتبار إلى المبادئ التي انطلقت من أجلها، ودون ذلك فهناك مخاطر كبيرة تواجهها، عادًّا عدم قبول عباس الشراكة الوطنية وتغليب المحيطين به مصالحهم الشخصية على المصالح الوطنية للشعب الفلسطيني خطرا على القضية.
أزمات داخلية
الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، يرى أنه قبل مرحلة "أوسلو" كانت فتح متفردة بقيادتها لمنظمة التحرير، والمسافة بينها وبين الفصائل الفلسطينية كانت واسعة، لكنها الآن تعاني أزمات داخلية وغياب الاستراتيجية الوطنية ومنافسة شديدة من قبل حركات وطنية خاصة حركة حماس.
وقال عوكل لـ"فلسطين": إن الأخطاء والأزمات التي مرت بها فتح حتى الآن والمسؤوليات التي ترتبت عليها جعلتها تتراجع إلى حد كبير وتترك الفرصة لمنافسة قوية من حماس، مؤكدًا أن وضعها بحاجة إلى رؤية جديدة لكيفية إدارة الشراكة الوطنية بمعايير مختلفة عن المرحلة التي سبقت أوسلو.
وبشأن المسار السياسي، لفت إلى أن حركة فتح بعد اتفاق أوسلو تحملت المسؤولية عن الخطايا التي ارتكبتها خلال هذا الاتفاق، ودفعت الثمن، وهي على أعتاب مرحلة جديدة إذا لم تقم باستعادة وحدتها ودورها ورؤيتها الوطنية في تجميع الفلسطينيين عبر صيغ جديدة للشراكة والعمل السياسي، وإلا فإنها ستذهب للمزيد من التراجع والخسارة.
ولفت إلى أن انقسام حركة فتح الداخلي يجعلها غير قادرة على احتواء التنوع الفكري والسياسي، وأن ذلك يشير إلى ضعفها.