فلسطين أون لاين

صاروخ الاحتلال لم ينَل من عزيمته

تقرير "أبو بيض".. شاب فلسطيني رَفَع صاروخٌ إسرائيليٌّ سقفَ أحلامه الرياضية

...
اللاعب محمد أبو بيض
غزة/ علاء شمالي:

كان لاعب كرة القدم محمد أبو بيض يحلُم بأن يصبح نجمًا في عالم الساحرة المستديرة، ويصل لمرحلة يتمكن فيها من الاحتراف في أحد الأندية العربية أو الأوروبية.

وشق الشاب أبو بيض طريقه في أزقة حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وساهمت مهاراته المتقدمة بكرة القدم في التحاقه بأحد أندية غزة والدخول في التشكيلة الأساسية في سن مبكرة على حساب نجوم لامعين بالفريق.

وكما أن كرة القدم في كل العالم تعدُّ اللعبة الشعبية الأولى والملهمة لقلوب الملايين، والتي كان أبو بيض أحد العاشقين للساحرة المستديرة، والذي لم ينقطع عن ممارستها بشكل شبه يومي.

لكن أحلامه بقيت بلا تحقيق بفعل الحصار المشدد المفروض على قطاع غزة منذ (13) عامًا، وفقد اللاعب فرصة استمراره كلاعب محترف بعدما باغته صاروخ متفجر من طائرة إسرائيلية قضت على أحلامه جميعها، وتسبب في بتر القدم اليسرى له حينما كان يبلغ (21) عامًا، إبان الحرب الإسرائيلية الواسعة على القطاع في صيف عام 2014م.

ورغم أن محمد أبو بيض كان يجلس أمام بيته الآمن حتى باغته صاروخ من طائرة إسرائيلية أدخله في غيبوبة تامة، وتسبب في بتر قدمه دون أي ذنب، ليذهب للدول المجاورة من أجل تلقي العلاج وإنقاذ حياته، لكنه تفاجأ بعدها أنه أصبح بعكازين وقدم واحدة.

وتعاني كرة القدم في غزة بشكل دائم من محاربة الاحتلال الإسرائيلي لها على كل الأصعدة من تدمير منشآت وقتل لاعبين وتقييد حرية حركة اللاعبين بالأراضي الفلسطينية (قطاع غزة والضفة الغربية)، إلى أن وصل الحال بمنع إقامة مباراة نهائي كأس فلسطين المعتمد من الاتحادات القارية والدولية في موسم 2018-2019م.

ورغم ذلك، يواصل الفلسطينيون ممارسة الرياضات المختلفة وأبرزها كرة القدم التي تعد اللعبة الأكثر جماهيرية في القطاع الساحلي المكتظ بالسكان.

وقتلت إسرائيل (36) لاعب كرة قدم خلال عشر سنوات، في حين أصيب (199) رياضيًّا بجراح مختلفة، وتعمدت (إسرائيل) تدمير ثلاثة ملاعب رئيسة في غزة تدميرًا كاملًا، وقد دمرت (13) ناديًا تدميرًا جزئيًّا، إضافةً إلى تدمير مقر اللجنة الأولمبية الفلسطينية والاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، في حين وصلت خسائر القطاع الرياضي لأكثر من (30) مليون دولار خلال السنوات العشر الأخيرة بحسب إحصائية حديثة أصدرتها وزارة الشباب والرياضة في غزة.

كان أبو بيض أحد أبرز لاعبي خط الهجوم في نادي الدرج الرياضي، ومميزًا في مركزه الذي لفت إليه الأنظار في عدة أندية محلية للتعاقد معه، لكن صاروخًا إسرائيليًّا أجبره على استبدال قدمه بعكازين، فبعدما كان يساعد زملاءه في تسجيل الأهداف في المرمى، بات الآن بحاجة لمن يساعده على الحركة.

حلم متواصل

يقول أبو بيض لصحيفة "فلسطين": "منذ أن فقدت قدمي شعرت أن بيني وبين كرة القدم علاقة ارتباطية لا يمكن أن أتخلى عنها، وبدأت في التفكير بالاستمرار في ممارستها لكن مع فئات ذوي الاحتياجات الخاصة".

ومنذ ذاك الحين وبعد عودته إلى أرض غزة بعد رحلة علاجية في دول الجوار زادت طموحاته باستمرار حياته الرياضية، فبدأ تدريجيًّا في ممارسة لعبة "كرة الطائرة جلوس" التي أبدع فيها وانضم لأحد الفرق وتُوِّج معها بعدة ألقاب محلية".

ولم يقِف أبو بيض عند هذا الحد، وتمكن من الالتحاق بنادي "الجزيرة" الذي يهتم بفئات "ذوي الاحتياجات الخاصة"، والتحق بفريق كرة السلة للكراسي المتحركة، ومارس هذه اللعبة بجدارة وقوة وعزيمة وإرادة لا تنكسر.

وبدأت لعبة كرة القدم للبتر تأخذ منحى تصاعديًّا في التطوير والأداء وتنظيم البطولات باستمرار؛ ما دفع بعض الفرق للمشاركة في بطولات دولية خاصة مع قدوم مدربين أوروبيين لغزة لتطوير هذه اللعبة ووضعها على الطريق الصحيح.

وبدت ملامح الحزن والحسرة جليَّةً على أبو بيض خلال حديثه لصحيفة "فسلطين" في أثناء مشاركته في دوري كرة القدم للبتر الذي أصبح يُنظم دوريًّا في قطاع غزة.

ويقول أبو بيض، إن طموحه لن يقف عند هذا الحد، ويحلم بالانضمام للمنتخبات الوطنية لألعاب ذوي الاحتياجات الخاصة بعد أن وصل لمرحلة أتقن فيه الألعاب الجماعية الثلاثة، وأصبح مميزًا فيها خاصة كرة القدم للبتر، الذي استطاع تطوير مستواه تدريجيًّا حتى بات من أبرز اللاعبين فيها.

لحظة فرح

وفي حزيران/ يونيو عام 2018م أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن تشكيل فريق لكرة القدم "البتر"، حينها لم يتردد أبو بيض في الالتحاق به، وأخضع نفسه لتدريبات مكثفة حتى باتت هذه اللعبة تضم حوالي (100) لاعب موزعين على محافظات غزة الخمس.

ويؤمن أبو بيض بأن الحكمة تكمن في قدرة الإنسان على فعل أي شيء يؤمن به ويعمل لأجله، وهذا ما يدفعه للاستمرار في تحديه لواقع البتر دون أن يسمح لشعور النقص بأن يتسلل لنفسه.

طاقة نفسية وبدنية

يقول الأمين العام للاتحاد الدولي لكرة القدم لذوي البتر الإيرلندي سيمون بيكر: إن اللاعبين في هذه الحالة يشعرون بطاقة نفسية وبدنية تعوضهم قليلًا عن أطرافهم التي فقدوها من أجسادهم".

ويؤكد بيكر من خلال انخراطه مع هذه الفئة وإشرافه تدريبيًّا على الشاب أبو بيض، أنه الآن يشعر بحيوية كبيرة بعدما اقتنع بالتجربة والتدريب، أن الإعاقة نفسية أكثر من كونها جسدية بالظاهر.

وختم المدرب الإيرلندي قوله: "إن لاعبي كرة القدم للبتر عززوا لديه نظرة متغيرة أن الناس في غزة لا تحتاج إلى المعونة والشفقة بقدر ما يريدون النهوض على أقدامهم المبتورة بكل فخر"، مبينًا أنه لمس إيمانًا كبيرًا لدى أبو بيض بأن يفقد الإنسان قدمًا أهون من أن يفقد أملًا.

652A0261.jpg


E55A8056.jpg

79738009_1304833526387922_6421223884183306240_n.jpg652A0106.jpg