وافقت أمس الذكرى التاسعة للعدوان الذي شنه جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة أواخر عام 2008، والذي ارتكب فيه جرائم حرب ومجازر، بحسب تقارير منظمات أممية وحقوقية.
وأطلق الاحتلال على عدوانه هذا عملية "الرصاص المصبوب"، بينما سمتها المقاومة الفلسطينية "حرب الفرقان"، حيث أنهت تلك الحرب تهدئة دامت ستة أشهر تم التوصل إليها بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من جهة والاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى برعاية مصرية في يونيو/حزيران 2008.
فقبل انتهاء التهدئة في 4 نوفمبر 2008، قام الاحتلال بخرق جديد لاتفاق التهدئة بتنفيذ غارة على قطاع غزة أسفرت عن استشهاد 6 مقاومين من كتائب القسام، ومنذ انتهاء التهدئة يوم الجمعة 19 ديسمبر 2008 أطلقت المقاومة الفلسطينية أكثر من 130 صاروخًا وقذيفة هاون على المستوطنات والمدن المحتلة في جنوب فلسطين المحتلة.
ويوم 27 ديسمبر، شنت 80 من طائرات الاحتلال المختلفة (الحربية والمروحية والمسيرة) عشرات الغارات الجوية خلال وقت قصير استهدفت الأحياء السكنية ومقار ومراكز عسكرية وأمنية وشرطية في قطاع غزة.
وتسببت الغارات والتي أراد الاحتلال منها إحداث صدمة ومفاجأة للمقاومة وعلى رأسها حركة حماس في الساعات الأولى للحرب باستشهاد أكثر من 300 فلسطيني وجرح أكثر من 700 آخرين، بينهم مدير الشرطة في القطاع اللواء توفيق جبر، وضباط كبار في الأجهزة الأمنية بغزة.
وخلال الحرب استهدف الاحتلال كل المرافق الحيوية في القطاع إضافة إلى المدارس والجامعات والمساجد والمستشفيات والمراكز الطبية، ومراكز وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، ومنها مدرسة الفاخورة في جباليا شمال غزة التي تم استهدافها في السادس من يناير/كانون الثاني 2009 بقنابل الفسفور الأبيض الحارقة مما أدى إلى استشهاد 41 مدنيا وإصابة العديد بجروح وحروق.
كما اغتال الاحتلال خلال تلك الحرب عضو المكتب السياسي لحركة حماس وزير الداخلية سعيد صيام، إضافة إلى القيادي بحركة حماس نزار ريان ومعظم أفراد عائلته بقصف منزليهماـ ولم تسلم ومقار كالة الغوث (أونروا) من القصف التي كانت قد سلمت جيش الاحتلال الإسرائيلي إحداثيات المدارس في القطاع لتجنب قصفها.
واستخدم الاحتلال عددًا من الأسلحة المحرمة دوليا في مقدمتها اليورانيوم المنضب، حيث حملت أجساد بعض الضحايا آثار التعرض لمادة اليورانيوم المخفف بنسب معينة، وكذلك الفسفور الأبيض، حيث اتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" (إسرائيل) باستخدام الأسلحة الفسفورية.
وأسفرت الحرب التي استمرت 22 يوما عن استشهاد نحو 1600 فلسطيني (من بينهم 926 مدنياً و412 طفلاً و111 امرأة) وإصابة نحو 5 آلاف آخرين، وأبيدت خلال الحرب عائلات بأكملها من ضمنهم عائلة السموني التي فقدت 29 من أفرادها.
الذي حدث ان قوات جيش الاحتلال توغلت في مناطق عدة من قطاع غزة، إلا أن المقاومة استطاعت ورغم امكانياتها المتواضعة حينها إلحاق خسائر في صفوف جيش الاحتلال، ومحاولة أسر جنود إسرائيليين.
فالهجوم الحربي الأخير على قطاع غزة وما تخلله من اقتراف جرائم حرب وأخرى ضد الانسانية وما ترتب عليه من تشكيل مجلس حقوق الانسان للجنة تحقيق دولية للنظر في سلوك القوات الاسرائيلية لم بيت فيه نهائيا وهو ما جعل قوات الاحتلال تتمادى في ارتكاب جرائم تلو الجرائم ضد الفلسطينيين.
من هنا، قد يكون مفيدا توضيح بعض الجوانب المتعلقة بالمحكمة الجنائية الدولية وآفاق الاستفادة منها فلسطينيا، عسى أن يسهم في إزالة ما علق في أذهان المواطن الفلسطيني من التباس وغموض، ويساعد في اتخاذ القرار الأفضل.
قد يلاحظ القارئ أننا استخدمنا تعابير أخرى غير تعبير "العدوان" عند الحديث عما تعرض له قطاع غزة مثل " الهجوم الحربي" أو " العملية العسكرية"، وذلك منعا للالتباس القانوني بشأن توصيف الوضع القانوني لقطاع غزة. يستخدم تعبير " العدوان" في القانون الدولي عند استخدام القوة المسلحة ضد إقليم دولة مستقلة وذات سيادة أو لزعزعة استقرارها السياسي، وليس هذا واقع الحال بالنسبة لقطاع غزة الذي يحتفظ بوضعه القانوني، شأنه شأن الضفة الغربية بما في ذلك القدس، كأرض محتلة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الاحتلال بحد ذاته هو حالة عدوانية مستمرة لأنه وليد العدوان أي الاستخدام غير المشروع للقوة المسلحة الذي يشكل إحدى الجرائم الخطيرة طبقا للقانون الدولي والنظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية. وعلى هذا الاساس تم شرعنة مقاومة الشعوب للاحتلال والاستعمار الاجنبي.
السؤال المهم هنا لماذا لا يتم تطبيق قرارات الجنائية الدولية ضد مجرمي الحرب من قادة الاحتلال الإسرائيلي مثلما طبقت ضد مجرمي الحروب في يوغسلافيا (ميلوسوفيتش ورادوفان كاراديتش وكذلك في روندا (سلوبودان)؟
الحقيقة أننا في فلسطين نفتقد إلى تطبيق القانون الدولي لعدم وجود الإرادة السياسية لدى الدول الكبرى ولأن مصالح هذه الدول لا تقتضي منها العمل بجدية على إنصاف الشعب الفلسطيني من خلال تمكينه من ممارسة حقه في تقرير المصير وصولا الى الانعتاق من الاحتلال وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس. وطوال فترة طويلة كان يفتقر القانون الدولي عموما إلى آليات التطبيق وما زال يعاني من انتقائية التطبيق او ما يعرف بازدواجية المعايير.