في العالم المتحضر والحر الذي يرفع فيه صوت المواطن حزباً، ويضع آخر، تمنح الانتخاباتُ الحقَ للجماهيرِ أن تقول رأيها وتقيم وهي بكامل قواها العقلية والنفسية الحاكم الموجود، فتجدد الثقة له إن كان محسناً، وتزيحه عن المشهد إن كان مسيئاً، وتقول له "GAME OVER".
إذن هي وسيلة لتجديد الأشخاص والأفكار، وتحدث بكل سهولة وبوقتها، أما في العالم الثالث الذي نحن جزء منه، فالانتخابات_ إن حصلت_ يرسخ الحاكم من خلالها أركانه وينهي خصومه بطريقة يظنها قانونية بحكم تمتعه بدعمٍ دولي.
في حالتنا الفلسطينية، فمنذ فترة والحديث يدور عن الانتخابات، حتى باتت حديث المدينة، فالكل ينتظر وبترقبٍ وبقليلٍ من الأمل لها لعلها تحدث تغييراً يسر الناظرين ، لكن هل أركان العمل السياسي الفلسطيني جديون في ذلك؟
يبدو أن السلطة ترغب بإبقاء الساحة مشغولة بما يلهي الشعب عن قضاياه المصيرية بالذي لا يمكن تطبيقه، أو بالذي لا ترغب بتطبيقه، بل تستخدمه كـ(مناورة،) فترمي كل فترة في الساحة مصطلحاً به من الغموض الشيء الكثير ويرقص على خمسين حبلاً، وتستخدم شخصية جديدة مع كل مصطلح لترويجه من باب إضفاء الجدية، فتارة ترمي مصطلح المصالحة بقيادة عزام الأحمد، وأخرى التمكين بقيادة رامي الحمد الله سابقاً، والآن جاء دور اللاعب حنا ناصر ليقود مباراة الانتخابات حتى نجري جميعنا خلفها دون أن نمسك بها في مشهد أشبه ما يكون بمباريات (كابتن ماجد) الكل يجري خلف الكرة لحلقات تصل لشهور، ولا نعلم متى الوصول؟
رمى عباس كرة الانتخابات في ملعب خصومه مناوراً ومنتظراً الرفض كي يبدأ حملة التشهير ضدهم، لكن الخصوم استحسنوا اللعبة و(لعبوها صح) فكانوا _ إلا سيادته_ على قدر المسئولية، وقالوا (جاهزون)، جن جنونه فماذا يفعل؟، بدأت الاشتراطات والتي منها موافقة خطية من حماس وأن يكون الحوار قبل المرسوم، وافق الخصوم ، وصرنا نسأل (وين المرسوم؟)، فقد وضع عباس الجميع تحت سيف المرسوم الرئاسي، ليبقى الفعل السياسي رهين المحبسين، الصمت والانتظار.
ثم أخرج من كنانته سيف أن (لا انتخابات دون القدس)، وبالتالي فالحديث عن الانتخابات صار بلا قيمة، والمطلوب إذن حسب وجهة نظره، ابقاء الحال على ما هو حتى تأذن (إسرائيل)، وكأني به يقول: "كفى الله الفلسطينيين الانتخابات".
لكن، هل كان سيادته يظن أن (اسرائيل) ستقول له (لبيك شبيك الانتخابات في القدس بين يديك)؟
لا أخال أن الزعيم غاب عن باله أن اعتراف امريكا بالقدس كعاصمة لـ(إسرائيل) يعني خروجها عن دائرة اي اتفاقيات أو مفاوضات، فهي أصبحت وباعتراف كبير العالم ملك يمين لـ(إسرائيل) تفعل بها ما تشاء، كيفما تشاء، وقتما تشاء، فلما البكاء والعويل إذن؟
وفق الأجواء الملبدة بغيوم العجز عن تحسين المواجهة مع الاحتلال، وبما أننا لا نأكل مما نزرع، ولا نلبس مما نصنع، ونفتقد لأدنى مقومات الصمود، فإن الحديث عن الانتخابات هو أقرب للمهمة المستحيلة وحلم قد يطول تحقيقه، فهي لم تعد استحقاقاً خالصاً لوجه الوطن والمواطن، بل محكومة برغبات خارجية، كما أن (إسرائيل) تعلم تماما أن انتخاباتٍ نزيهة وشفافية لن تكون في صالح عباس مطلقاً، سيما في الضفة الغربية حيث الكثافة السكانية وانعدام الثقة به، لذلك لا تود أن تلدغ هي وعبدها من الجحر مرتين.