لبرد سجن نفحة قصة يتداولها الأسرى، يقال: إن اختيار المنطقة التي بني فيها كان بعد أن نجح اختبارهم بإسكان عدة شياه في تلك المنطقة، وأنها تمكنت من البقاء على قيد الحياة، هذا السجن يبعد عن مدينة رام الله مائة وتسعين كيلومترًا في عمق صحراء النقب جنوبًا، والنقب والسبع أقرب قليلًا ولكنها أيضا بعيدة عن أماكن سكن معتقليها. ما الذي يدفع سلطات الاحتلال إلى الإمعان بهذا البعد مما يكلّفها كثيرًا في نقل الأسرى وبوسطات محاكمهم وسفريات سجانيها؟ ألا توجد مساحات شاسعة من الأراضي أقرب بكثير؟ ورغم أن هذا مخالفة لقوانين جنيف التي تلزم أية سلطة احتلال عدم إخراج المعتقلين من أماكن سكناهم إلا أنهم قاموا ببناء السجون في هذه الأماكن النائية.
وليس الأمر ببعد المسافة فحسب ولكن اختيار هذه الأماكن القاسية في طقسها، حيث إنها شديدة الحرّ صيفًا وشديدة البرودة شتاءً دون أن يكون ما يتقونه به خاصة برد الشتاء، ينخر هذا الزمهرير العظام، ويجعل من الشتاء ثقيلًا طويلًا يضرب ببرده ولا يكاد يفارق المعتقلين إلا بعد إنهاكهم والتعليم على أجسادهم وأرواحهم. وترى المعتقل عندما يسير من الخيمة إلى دورة المياه ليلًا كأنما يسير في ثلاجة فريزر. وقد كنا في نفحة نلبس كل ملابسنا المتوفرة قبل النوم ونضع فوق أجسادنا سبع بطانيات دون أن ننام ليلًا متخفّفين من ثقل البرد القارس.
وهذه السجون النائية فيها من السادية والتعذيب ما فيها للأهل أيضا، فالزيارة تستغرق من أوقاتهم مع وقفات التفتيش المباركة! ما يزيد عن اثنتي عشرة ساعة من السفر والمرمرة، فهل لنا أن نتصور معاناة أب مسنّ أو أم مسنة تحتاج إلى رعاية صحية، وقد يرتفع الضغط فلا تجد من يقدم الإسعاف في رحلة كل ما فيها يرفع الضغط، رحلة من العذاب على أناس بغالبيتهم من المسنين والاطفال والنساء.
عندما يحلّ بديارنا منخفض جوي، نسارع إلى التدفئة بكل أنواعها هناك في سجون الجنوب بالتحديد لا تتاح لهم أية وسيلة تدفئة ، حتى أن إغلاق الباب مشكلة إذ لا بدّ من ابقاء النصف العلوي مكشوفًا (لادعاءات أمنية) مما يزيد من برودة الغرفة حتى يتهيأ لقاطنها أنه داخل ثلاجة.
ويتولّد من هذه البيئة القاسية أمراض عديدة، مثل: الأزمات الصدرية والتهابات المفاصل (الروماتزم) والتهاب العصب السابع ونزلات البرد الشديدة وآلام الرأس والمعدة وغير ذلك، والإهمال الطبي متعمد هناك، وهو سيد الموقف من عدة زوايا أهمها عدم تشخيص المرض في بداياته، إذ قد تستغرق صورة أشعة عدة سنوات، وعدم إعطاء العلاج المناسب بالاكتفاء بالأكمول (الدواء السحري في السجون).
مسألة برد الشتاء القارس في هذه السجون تستحق أن تثار إعلاميًا وقانونيًا وأن نعرّي الاحتلال من هذه السادية والجريمة المفتوحة والمستدامة على آلاف المعتقلين نزلاء هذه السجون منذ أن أقيمت ولغاية يومنا هذا.