"أيها السادة اسمحوا لي أن أقول لكم إننا حققنا خطوة ضارة جدًا مع المصريين، مثلما وعدنا "جمعة الشوال"، اسمحوا لي أن أدعوكم لشرب نخب الانتصار العظيم".
هذا مشهد من مسلسل "دموع في عيون وقحة" ولا أخال أحدًا من المهتمين بالشأن الأمني وصراع الأدمغة المخابراتية لم يتابع أو يعلم عن المسلسل، ففيه تجسيد لقصة العميل المزدوج "جمعة الشوال" الذي نجحت المخابرات المصرية في استثماره كعميل مزدوج لصالحها ضد (إسرائيل) التي ظنت واطمأنت أنه ملك يمينها.
وبينما يهم ضباط المخابرات الصهيونية بشرب نخب الانتصار بانتظار البرقية من "جمعة الشوال"، فإذا بطارق الباب يشير لوصول البرقية، فكان وجهه يشير لشيء غير سعيد، تغيرت ملامح الضباط، طلبوا منه قراءة البرقية، فإذا هي: "من المخابرات المصرية إلى المخابرات الإسرائيلية نشكركم على تعاونكم معنا طوال 6 سنوات مثمرة، وقد توجتم هذا التعاون بإمدادنا بجهازكم الإنذاري الخطير مع رجلنا جمعة الشوال، نكرر الشكر وإلى اللقاء في عمليات أخرى"، نزلت هذه الرسالة كالصاعقة على الضباط "فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ" و"يتلاومون".
ما دفعني لذلك هو أن كتائب القسام نشرت قبل عدة أيام فيديو بعنوان "السراب" وقد أحسنت في اختيار الاسم، حيث نجحت في إعادة رمي كرة اللهب في الملعب الصهيوني من خلال استثمار عميل مزدوج وتمويه العدو من خلاله وتزويده بمعلومات عن الصواريخ التي يسعى بكل جهد لمعرفة مرابضها وأعدادها وحجمها، فهي قد أطعمته طيلة عامين 2016-2018 بما يشتهي، وفق خطة محكمة نفذها شخص مقابل خمسة ضباط صهاينة، حتى آتت أكلها، وحصلت على أساليب وأجهزة حديثة، وعلمت كيف يفكر العدو!
ما فعلته الكتائب يعد "وفق علم الزلازل" زلزالًا على مقياس القسام استمر لمدة عامين ضرب العمق الأمني الصهيوني ووضع هيبة العدو في التراب، إذ كيف لمقاومة تعاني قلة الإمكانات وتعيش ظروفًا غاية في التعقيد والخطورة والمتابعة على مدار اللحظة، أن تصنع هذا الإنجاز رغم فارق الإمكانات؟ وتتحول من مدافع لمهاجم صامت؟ ووفق مصطلحات "الرياضة" هي هجمة مرتدة تمكنت الكتائب من خلالها اختراق خط دفاع مهم عند العدو، بعدما ظن العدو أنها عصية على الاختراق، وأنه في مأمن "فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا".
ما الذي سيحدث بعد فيديو السراب؟
أولًا: على المستوى الصهيوني:
1- إضافة خيبة أمنية جديدة لقائمة الخيبات التي مني بها الاحتلال.
2- إحداث هزة سياسية جديدة حول نتنياهو واتخذاها كذريعة لإحكام قبضة الفشل على عنقه.
3- تشديد ضوابط تشغيل عملاء جدد للتأكد من عدم ازدواجية عملهم مع المقاومة الفلسطينية.
4- استحداث أساليب جديدة لجمع المعلومات عن المقاومة بشريًا وتكنولوجيًا.
على المستوى الفلسطيني:
1- رفع معنويات الشعب الفلسطيني بقدرات المقاومة ومدى تطورهاـ وأن عيون المقاومة لا تنام وأنها بالمرصاد للعدو.
2- ربما يلجأ الحاقدون على المقاومة إلى تكثيف عملية الهجوم على المقاومة.
3- ربما يخلق خصوم المقاومة مشاكل جديدة للتغطية على هذا الإنجاز المشرف حتى يمر سريعًا عن خريطة الحديث الرسمي والشعبي.
4- إضفاء نوع من الارتياح لدى الناس عما يُقال عن المستشفى الأمريكي، أنه قاعدة تجسس، فهذا الإنجاز يؤكد أن كل شيء في غزة تحت المتابعة الأمنية بما يخدم استقرار الحالة الأمنية للشعب والمقاومة.
بكل فخر نقول: أحسنت كتائب القسام في صياغة الرسالة بالصوت والصورة، وكأني بهم يرسلون هذه الرسالة ولسان حالهم يقول: "من مخابرات القسام إلى المخابرات الإسرائيلية نشكركم على تعاونكم معنا طوال عامين مثمرين، وقد توجتم هذا التعاون بإمدادنا بأجهزتكم المتطورة وأساليبكم الخطيرة مع رجلنا "ن"، نكرر الشكر وإلى اللقاء في عمليات أخرى".
ولا يسعني في النهاية إلا أن أرفع القبعة احترامًا واجلالًا، وأقول: للأمام للأمام يا كتائب القسام.