الضرب وسيلة تربوية لمعاقبة الطفل على سلوك خطأ قام به، بعض يعده أسلوبًا ناجعًا يجعله يعدل من سلوكه ولا يكرر خطأه، ويعللون ذلك بأنهم تربوا على الضرب على يد آبائهم ولم تتأثر نفسيتهم، ويرون أن الطفل إذا أمن العقاب أساء الأدب.
وهناك من يحمل وجهة نظر أن الضرب في الصغر يجعل الطفل بلا كرامة، وسيرسخ في ذهنه أن أي شخص يحق له ضربه إذا أخطأ، وسيجعله إما شخصًا فاقد الثقة منطويًّا، أو عدوانيًّا يمارس العنف الذي عاناه على غيره أو ألعابه.
الغزية فاطمة جودة أم لثلاثة أولاد وبنتين، ترى أن الضرب ضروري في بعض الحالات، لاسيما مع الذكور، لأنهم يفوقون الإناث شقاوة، من وجهة نظرها.
وتقول جودة (35 عامًا) لصحيفة "فلسطين": "لا أتمتع بشخصية عنيفة، ومنذ ولادتي طفلي الأول رفضت استخدام الضرب، ويا للأسف!، كبر وكانت النتيجة أنه ذو شخصية لا مبالية، كلمتي ليست مسموعة لديه، وحينما أهدده بالضرب لا يهتم لأنه يعي أنني لا أنفذ ما أقول".
وتتابع: "هذا الأمر انسحب على دروسه، جربت كثيرًا من أنواع الحرمان معه، كحرمانه اللعب على الجوال أو الخروج من البيت، ولكن لم يجد الأمر معه نفعًا، فلم أجد بُدًّا إلا استخدام الضرب الذي أتى بنتيجة معه، وأصبح يستذكر بمجرد أن آمره بذلك".
أما الثلاثيني محمد عبد النبي فيرفض استخدام الضرب مع طفلتيه (في سن ست وسبع سنوات)، فهو ضد المفهوم "الخطأ" الراسخ في أذهان الناس، أن الضرب يجعل الطفل مؤدبًا قصير اللسان، بل إنه -برأيه- يجعله ينفذ ما يطلب منه ليس أدبًا ومحبة لوالديه، بل خوفًا من الألم الذي يسببه ضربهما له، و"هذا إجرام بحقه"؛ وفق وصفه.
وفي دردشة مع صحيفة "فلسطين" يقول عبد النبي: "لا أذكر يومًا أن والدي رفع يده علي أو ضربني على خطأ قمت به، ومع ذلك كنت أخافه ولم يقل احترامي له يومًا، وكلٌّ يشهد بتربيته لنا، وحينما أذكر اسم والدي يبدأ الحضور في الثناء على دماثة خلقه وأدبه".
ويتابع: "تخشى طفلتاي عصبيتي، لذا تعترفان على الفور بالخطأ وتعتذران؛ فهما تعرفان أنني سأخاصمهما، وقد يصل الأمر إلى يومين".
أما فاتنة الحسنات فترفض استخدام الضرب مع أطفالها على إطلاقه، ولكن في بعض الأحيان تضطر إلى استخدامه، تقول: "لا شعوريًّا ربما أضربهن لأنني تربيت على الضرب، ولكن لا ألبث حتى أشعر بالذنب وأعتذر إلى بناتي، وفي كثير من المرات بكيت لأنني ضربتهن".
الحسنات (30 عامًا) تضيف لصحيفة "فلسطين": "أرفض أن يضرب أحد طفله أمامي وأسارع إلى حمايته، ومع ذلك قد أقوم أنا بهذا الفعل مع أطفالي، لذا بدأت التحكم بأعصابي نوعًا ما، واتجهت نحو استخدام أسلوب القصة معهن فأوصل بها ما أريده من نصائح وأخطاء قمن بها، وبالفعل لامست نتائج إيجابية لم أتوقعها".
لا يغير السلوك
من جهتها تحذر الاختصاصية النفسية كفاية بركة من استخدام الضرب أسلوبًا في التربية، فليس كما هو مشاع أن الضرب عقابًا يمكن أن يغير من سلوك الطفل.
وتبين بركة لصحيفة "فلسطين" أن للضرب انعكاسًا سلبيًّا على نفسية الطفل، حينما يضرب أحد الأبوين الطفل ردة فعل على سلوك خطأ قام به، وهذا الأمر يشعر الطفل بأنه منبوذ، لأنه لم يوضح له سبب الضرب، لذا يجب تبيان أن العقاب لسلوكه لا شخصيته.
وتشير على الوالدين باستبدال الحرمان بالضرب، وهو أسلوب عقاب ناجع تربويًّا، وتضيف مخاطبة الأم: "على سبيل المثال احرمي طفلك اللعب على الجوال بسبب عدم كتابته واجبه اليومي، ولكن قبل أن تقومي بذلك وضحي له سبب سلوكك معه".
وتلفت بركة إلى أن الضرب المتكرر ليس له أي مفعول في تعديل سلوك الطفل، لأنه يوصله إلى مرحلة البلادة العاطفية، حتى لو كان الضرب مؤذيًا ومؤلمًا.
وللضرب تأثير على الصحة النفسية والجسدية للطفل، تذكر أنه يصيب الطفل بالخوف الذي يظهر على شكل أحلام وكوابيس، وتبول لا إرادي، ويجعله مترددًا في اتخاذ القرار.
وتشدد الاختصاصية النفسية على أن أكثر سلبيات الضرب جعل الطفل ذا شخصية عدوانية، يطبق عنفه على غيره من إخوته وأخواته، أو زملائه، أو تجاه الممتلكات، وألعابه، وقد يكون ضربه مؤذيًا جدًّا.
وتحذر من استعمال العنف في السنوات الخمس الأولى من عمر الطفل، لأنه لا يميز فيها المقبول من غير المقبول، والصواب من الخطأ، بل يكون في مرحلة التعلم بالاستكشاف، والتجربة، والتقليد.
وتلفت إلى أن ما يوصل الوالدين إلى ضرب طفلهما عدم تواصلهما الجيد معه، لذا يجب توعيته وتوجيهه على مدار اليوم لتعزيز سلوكه، وتبيان سبب العقاب قبل تنفيذه.
وتدعو بركة إلى استخدام بدائل العقاب والتوقف عن عقاب الطفل بضربه، كحرمانه شيئًا محببًا له كلعبة، أو زيارة عائلية، ومع مرور الوقت سيجعله ذلك يعدل من سلوكه.