لا تقف خطورة الحدث الذي سيحضره قرابة 35 رئيس دولة من جميع أنحاء العالم، الشهر المقبل في مدينة القدس المحتلة عند حدود جلب تأييد دولي للاحتلال، بل يتعدى ذلك لتحقيق أهداف سياسية ودينية متعددة كلها تصب في خانة تضييع الحقوق الفلسطينية.
أمام هذا الحدث، الذي يأتي بمناسبة مرور 75 عامًا على ما يسمى "تحرير أوشفيتز"، بعنوان "نتذكر المحرقة ونناضل ضد معاداة السامية"، تبدو الدبلوماسية الفلسطينية الرسمية عبر قنصليات السلطة المنتشرة حول العالم، وفق مراقبين، تغطّ في نومها، بلا دور فاعل أو حقيقي تجاه حشد الدعم لصالح الشعب الفلسطيني فضلًا عن تحول دول صديقة للفلسطينيين إلى صديقة للاحتلال كالهند وجنوب إفريقيا.
ولم تتواصل قنصليات السلطة مع جامعة الدول العربية ولا مع تلك الدول، لتنظيم اعتصامات وإرسال رسائل اعتراض، لحث هؤلاء الرؤساء على عدم حضور المهرجان، مدعّمين بسجل كبير من جرائم الاحتلال كان يمكن تقديمه أمام هؤلاء الرؤساء بوسائل وطرق مختلفة، بما قد يكون كفيلًا بدفع العديد منهم لإلغاء الزيارة، لكن هذا لم يتم حتى اللحظة.
حالة عربية منهارة
ويقول الكاتب والمحلل السياسي راسم عبيدات: إن استضافة الاحتلال الإسرائيلي، لرؤساء 35 دولة، يدلل على أن الاحتلال معني بهذا الحشد الدولي الذي يأتي في ظل حالة عربية منهارة، بهدف الحصول على دعم دولي في التحريض على حركات المقاومة الفلسطينية.
ويرى عبيدات في حديثه لصحيفة "فلسطين" أن رئيس حكومة الاحتلال يريد توظيف الحشد في معركته الانتخابية وتعزيز فرصه في الفوز في الانتخابات الثالثة، وإثبات قوته بين الخصوم، فضلا عن توسيع علاقات الاحتلال دوليا وإقليميا، وإرسال رسالة لدول الخليج لإجبارهم على توسيع التطبيع معه.
ومن حيث التوقيت، يعتقد عبيدات أن الاحتلال يحاول تحشيد الدول ضد إيران، وأنها من يهدد الأمن القومي بالمنطقة وليس دولة الاحتلال، وأن إيران تحاول امتلاك السلاح وتدعم حركات المقاومة وأنها المسؤولة عما يحدث بالمنطقة.
عبيدات، يحمل وزارة خارجية السلطة الفلسطينية المسؤولية، مشيرا إلى أن 15 دولة امتنعت عن التصويت في قرارات الجمعية العامة الأخيرة في الأمم المتحدة لصالح القضية الفلسطينية، واتخذت موقف "الضد" مما يؤكد تراجع دور القنصليات الفلسطينية التي لا تلعب دورا في حشد الدعم لصالح الشعب الفلسطيني وقضيته.
ولفت إلى أن هناك أصدقاء كانوا تقليديين للشعب الفلسطيني كالهند وجنوب أفريقيا، ودائما يصوتون لصالح القضية الفلسطينية وحقوق شعبها، أما الآن فانقلبت الأمور وأصبحت تلك الدول تؤيد الاحتلال بفعل جهود خارجية (تل أبيب)، فضلا عن عقد صفقات تجارية وأسلحة بينها.
ويرى عبيدات، أن نجاح الاحتلال في حشد الدول يعكس حالة التراجع في الدبلوماسية الفلسطينية في الخارج، كما لا يمكن إعفاء الانقسام الفلسطيني من ذلك، كما قال.
وهناك مخاطر كبيرة على القضية الفلسطينية من وراء هذا الحشد الدولي، وفق عبيدات، خاصة على حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، كالقدس واللاجئين والتي لطالما أيدتها قرارات الشرعية الدولية.
عمل مستمر
من جهته، يرى الباحث في الشأن الإسرائيلي جمال عمرو، أن الاحتلال الإسرائيلي لا يتوقف عن العمل في موضوع التسويق الخارجي، وأن هناك عمليات ملاحقة من قبل سفراء الاحتلال بدول العالم لكل من يتهمونه بـ"معاداة السامية"، مبينا أن الاحتلال يوظف كل أجهزته من سفارات ووسائل إعلام ومناصرين في تزييف الحقائق ومحاربة الراوية الفلسطينية في الخارج رغم الأزمة السياسية التي يمر بها داخليًا.
وقال عمرو لصحيفة "فلسطين": "إن هذا الأمر يدلّل على ضعف الدبلوماسية العربية، المشتتة التي تعمل ضد بعضها البعض وتقاتل شعوبها، ويؤشر الحدث المزمع عقده بالقدس إلى أن وزراء الخارجية العرب وجامعة الدول العربية والسلطة الفلسطينية لم تتواصل حتى مع رؤساء هؤلاء الدول وتبدي اعتراضها على زيارتهم إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة".
ويرى أن هناك عدة أهداف يسعى الاحتلال لتحقيقها من جراء هذا الحدث، أولًا تبرير أنه "منطقة آمنة" تستطيع استضافة كبار رؤساء العالم وتأمينهم، وسيسعى إلى تقديم الرواية اليهودية، بأشكال مختلفة من الأكاذيب وقلب الحقائق، كما سيحرص الاحتلال على تنظيم زيارات للمدعوين إلى الأماكن التي جرى تهويدها لتدعيم روايته.
وأوضح أن ذلك له تداعيات خطيرة، الهدف منه كذلك حث رؤساء الدول إلى نقل سفاراتهم من (تل أبيب) إلى القدس المحتلة، على غرار نقل السفارة الأمريكية، خاصة أن واشنطن قامت مؤخرا بنقل سفاراتها إلى مكان آخر بالقدس مهيئ مستقبلا ليصبح تجمعًا دبلوماسيًا.
وبحسب عمرو، فعندما يحدث مهرجان دبلوماسي كبير، يبدو وكأنه تعاطف دولي مع الاحتلال، ورسالة محبطة للفلسطينيين والدول العربية بـ"أن موضوع القدس انقضى وانتهى"، وفق تقديره.