نشكر الأونروا على ما قدمته من خدمات للاجئين الفلسطينيين على مدار سبعين عاماً، ولا سيما في مجال التعليم، فجميعنا خريجو مدارس الأونروا، وجميعنا مد يده للمدرس كي يؤدبه بالعصا، كنا نرتجف من البرد، وكنا نرتجف من سوط المعلم أكثر، وكان ولي الأمر منا يقول للمدرس، أنت تكسر، وأنا أجبر، أريده رجلاً شهماً متعلماً مؤدباً، وكان المدرس على مدار عمر الأونروا التعليمي لا يبخل على الطالب بالعلم والمعرفة والتهذيب والتثقيف والعصا حتى استقام عودنا العلمي والأخلاقي والديني والوطني.
طلاب اليوم في مدارس الأونروا يختلفون كلياً عن طلاب الأمس، لا سيما بعد صدور قرار الأونروا الذي لا يسمح بضرب الطالب، ولا يأذن بتأديبه وتعزيره، فالقرار يعاقب بالفصل كل مدرس يزجر تلميذاً على خطأ، لينقلب المشهد، فإذا بالمعلم القوي قد صار ضعيفاً، لا يقوى على تقويم اعوجاج، لقد فقدت المدرسة هيبتها، وازداد الطلاب عناداً وشراسة، وكبر لديهم التحدي، فصاروا يشاغبون بشكل متعمد، وصاروا يعتدون على بعضهم بشكل عنيف، وهم يعرفون أن بيدهم فصل المدرس لو رفع صوته، أو رفع سوطه، ويتناقلون أخبار فصل أحد المدرسين في المنطقة الوسطى بشماتة وتلذذ.
الأنظمة التربوية الحديثة تحض على عدم استخدام العصا، وتطالب بتوفير أجواء نفسية تأذن للطالب أن يتعلم دون خوف أو وجل، ولكن هذه الأساليب التربوية الحديثة تنسجم مع البيئة المستقرة الآمنة التي يعيش فيها الطالب، ليكتمل الجو العام للمجتمع مع الجو الخاص لحياة الطالب، وهذا لا ينسجم مع بيئة غزة القلقة والمضطربة والمتحفزة والمنفعلة، والطالب يعيش فيها أجواءً تجعل منه عصبياً انفعالياّ. أحوال غزة تقضي نظماً تربوية تنسجم وحالة الطلاب في قطاع غزة، بما في ذلك السماح للعقاب البدني المنضبط والمدروس، الذي يتعارض مع قرار رئيس برنامج التربية والتعليم بوكالة غوث غزة، الصادر سنة 2013، والقرار الصادر سنة 2014، وكلاهما يؤكد على منع العقاب بصنوفه وألوانه المختلفة، وإنهاء مظاهره من حمل العصي، ولم يكتفِ رئيس البرنامج بما سبق، بل هدد بعدم التهاون بهذا الشأن، وحمل المسؤولية لمدير المدرسة إذا لم يتخذ كل التدابير.
رئيس برنامج التربية والتعليم طالب بأنشطة بديلة للعقاب البدني، وزود المدارس بداعم نفسي يتعامل مع الحالات الشاذة والصعبة في المدارس، ولكن رئيس البرنامج اضطر إلى سحب العاملين في مجال الدعم النفسي، ولم يتراجع عن قراره بمنع العقاب البدني، وفصل أحد المدرسين بتهمة ضرب أحد طلابه بالعصا.
أنا شخصياً ولي أمر عدد من الطلاب في مدارس الأونروا، أنا وغيري من أولياء الأمور لا نطالب بسلخ جلده، نطالب بضبط العمل في المدارس، واسترداد هيبة المعلم، وتعزيز مكانته التي ستنعكس بالإيجاب على سلوك الطلاب، وهذا لن يتحقق من خلال ترك الطلاب يمارسون العنف والشتم والسب والتسيب، ويعيشون أجواء تعليمية أقرب إلى "السبهللة" دون عصا المدرس؛ التي تشد من أزر الأخلاق التي يحتاج إليها مجتمعنا في قطاع غزة أكثر من حاجته إلى بعض العلوم الحديثة.
المعلم هو الوالد والأخ والجد والصديق للطالب، فإن رفع العصا وضرب، فإنه يؤدب أولاً، ويعلم ثانياً، والطلاب في غزة ليسوا ملائكة من حرير وخرير، طلاب غزة متمردون، فيهم العناد والتحدي، وهم بحاجة إلى ضبط، وربط، وبحاجة إلى عصا التربية التي تحول دون ضياع مستقبل أجيال بقرارات لا تنسجم وأحوال غزة.
ملحوظة: قرار الأونروا بمنع العقاب أثر في مجمل العملية التعليمية في قطاع غزة والضفة الغربية بالسلب، لا سيما طلاب المرحلة الثانوية في مدارس الحكومة.