رغم التقارب الفصائلي في الغرفة المشتركة للمقاومة، وفي الهيئة الوطنية لمسيرات العودة، فإن الساحة الداخلية الفصائلية ما زالت لم تبرأ بعد من المهاترات والمزايدات. لقد كشف المستشفى الأمريكي في منطقة إيرز عن هذه الحالة المقلقة، حيث ذهبت فصائل اليسار إلى التبرؤ من الاتفاق الوطني على السماح بإقامة المستشفى، بعد أن طلبت مصر ذلك من الفصائل.
كان يمكن أن تتداعى الفصائل لدراسة القضية مرة ثانية والخروج بإجماع مشترك بالقبول أو الرفض، حيث لا يصح أن تختلف في وجهات النظر، وأن تخرج هذا الاختلاف للمجتمع في غزة والضفة، وكأن هناك فريقا مفرطا، وفريقا حذرا، والأمر لا يحتمل هذه المزايدات.
إما أن تقبل الفصائل ذلك المشفى معا، أو أن ترفضه معا، ولا يجوز لبعضها بلبلة الشعب، وإذا كانت حجة الرفض أن المشفى سيكون قاعدة أمريكية للتجسس على غزة، فإن هذا الكلام لا قيمة علمية له، فكل (إسرائيل) قاعدة أمريكية أمنية ومتقدمة للتجسس لا على غزة وفلسطين فحسب، بل على كل الدول العربية، ناهيك عن أن كل الدول العربية بينها وبين أمريكا تنسيق أمني واستخباري متقدم في التقنية وفي الزمن، ومن الدول وبينها السلطة في رام الله من تتبرع طوعا بتقديم معلومات استخبارية (لأميركا وإسرائيل)، ويكفي أن عباس عدّ التنسيق الأمني مقدسا، ولم يتنازل عنه حتى في أسوأ حالات العدوان الصهيوني على غزة والضفة.
كل (إسرائيل) قاعدة للمخابرات الأميركية، وقادة المخابرات وعملاؤها يسرحون ويمرحون في الضفة ورام الله، وفي العواصم العربية، ثم يأتي أشخاص حياتهم في (تل أبيب) أكثر من وجودهم في الضفة، ليزعموا أن المشفى قاعدة أمنية تجسسية، فهو أمر يحمل أكثر من علامة استفهام! ولو كانوا على وطنية حقّة لما كانوا في (تل أبيب)، وبين قادة المخابرات الإسرائيلية، ليلا ونهارا، ولما تركوا الصور تفضحهم؟!.
أنا لا أستطيع الحكم على المشفى، لا إيجابا ولا سلبا، ولكني أحمل الفصائل المنتقدة، التي تزعم أنها تملك معلومات مفيدة، لماذا لا تجمع الكل الوطني، وتطرح ما لديها، ثم يخرجون برأي موحد، مطمئن للشعب؟! وبمكنة هذه الفصائل بعد اللقاء التفاهمي المشترك أن تذهب لقصف هذا الموقع قبل إتمام بنائه، وإخراجه من مكانه، ولا يجوز أن نقبل به في الغرف المغلقة، ونعلن عن رفضنا له في الإعلام؟!.
الساحة الفلسطينية لا تحتمل هذه التصرفات المزدوجة، وإذا كانت المسألة واقفة في إطار الشك، دون معلومات، فكل الفلسطينيين في العالم يشكّون في أميركا وفي نواياها. وحين قالت حماس لعباس والسلطة لا تثقوا برعاية أميركا ووعودها، أعرض عباس وأعرضت فتح عن سماع نصيحة حماس ونصيحة غيرها من الفصائل، وما حصدت فتح وعباس من أميركا ورعايتها غير الخسران المبين، والسراب الخادع، وتركتهم أميركا يقضمون أصابعهم، بعد أن شرعت (لإسرائيل) الاستيطان، وأيدت قرار (إسرائيل) في اتخاذ القدس عاصمة. نريد من الفصائل معلومات، وعلمًا، ولا نقبل منهم أقل من ذلك!