بكل همة ونشاط يبدأ الجريح مبتور القدم فؤاد جمعان يومه بكل صباح في العمل داخل مزرعته الصغيرة، بجانب بيته في غرب خان يونس جنوب قطاع غزة، بهدف العناية بالأشجار والمزروعات التي قد زرعها قبل أن يصيبه بطلق ناري جيش الاحتلال الإسرائيلي.
ومزرعة جمعان مصدر رزق له، فيربي فيها إلى جانب الأشجار طيورًا غالية الثمن، وبعض الحيوانات، إذ يحرص يوميًّا على تقليم الحشائش الضارة، وري الأشجار بالمياه، وتقديم الطعام لطيوره وحيواناته.
ولم يستسلم جمعان لإصابته في 2003م، فخضع لمجموعة كبيرة من العمليات الجراحية والتجميلية داخل قطاع غزة وخارجه، إلى جانب بعض التدريبات على التعامل مع حياته الجديدة دون قدم، حتى تمكن من العودة لحياته الطبيعية.
ويمضي الجريح جمعان أغلب وقته داخل مزرعته التي يساعده في أعمالها أحد أبنائه حين يأتي التعب عليه، إذ يشعر بالفخر والسعادة عند قطف ثمارها -خاصة خلال موسم الزيتون- ويرى إنتاجها بين يديه.
ولا يستخدم الطرف الصناعي الذي حصل عليه بعد سنوات من إصابته، وخضوعه لعمليات تجميلية في رجله اليسرى، التي بترت كلها تقريبًا بفعل الطلق الناري، بل يعتمد على عكازين في التنقل بين أشجار مزرعته دائمًا دون مساعدة من أحد.
يصر جمعان على أن الإعاقة هي إعاقة العقل لا الجسد، إذ في حال توافرت الإرادة لأي شخص حتى لو كان بنصف جسد فسيكمل حياته، بالعمل أو الدراسة.
ورغم بتر رجله تأقلم جمعان سريعًا مع وضعه الصحي وحياته الجديدة، دون أن يذهب إلى أي مصحة نفسية، أو يخضع لأي دورات تأهيلية تقدمها أي جهة رسمية أو أهلية.
ويرفض أي مساعدة من عائلته في الوصول إلى مزرعته، أو القيام بأي أعمال بدلًا منه، إصرارًا على أنه بصحة كاملة رغم البتر شبه الكامل لرجله اليسرى.
وإضافة إلى العمل في المزرعة الخاصة بجمعان، هو يذهب شبه يومي إلى الأسواق المختلفة لشراء احتياجات بيته، وإتمام جميع الأوراق الرسمية لهم، وتسجيل أبنائه في المدارس، وكذلك الجامعات.
ولا يمتلك الجريح جمعان سيارة للتنقل أو دراجة نارية، ولكنه يعتمد اعتمادًا أساسيًّا على العكازين في تنقله، والوصول إلى الأماكن التي يرغب.
وأول المتطلبات التي يرى أن أصحاب الاحتياجات الخاصة بحاجة لها هو توفير أماكن ترفيهية خاصة لهم، ثم تخصيص الجهات الدولية أو الرسمية مشاريع تنموية لهم، لتعويضهم عما أصابهم من جروح، وآلام، لا يزالون يشتكون منها.
ويوضح أن الجرحى والمبتورة أقدامهم هم بحاجة إلى رعاية طبية خاصة، وأدوية غير متوافرة في الكثير من المستشفيات، كالعلاجات اللازمة قبل تركيب الأطراف، إذ يحتاج الجريح إلى دورة علاجية كاملة قبل هذه العملية.
ويوصي الجريح جمعان جميع الجرحى -خاصة المبتورة أقدامهم- عدم الاستسلام لحالتهم الصحية، أو الجلوس في بيوتهم وانتظار المساعدة المالية، أو الإغاثية من أي جهة، بل الاندماج في المجتمع، والتغلب على أي عوامل نفسية قد توثر في سير حياتهم.